للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى ضُحًى فَأَمَّا وَقْتُ رَمْيِهَا فِي الْجَوَازِ، فَمِنْ بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِنْ رَمَى الْجَمْرَةَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ رَمَى قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَى ضُحًى وَقَالَ: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَبِرِوَايَةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أتانا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ونحن بجمرةٍ أغيلمة بني عبد المطلب وحملنا على حمراتنا فَلَطَّخَ أَفْخَاذَنَا وَقَالَ أَنْ لَا تَرْمُوا إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " قَوْلُهُ لَطَّخَ أَفْخَاذَنَا: أَيْ ضَرَبَ أَفْخَاذَنَا كَذَا فَسَرَّهُ أَبُو عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاسَتَدَلَ أبو حنيفة وَمَنْ مَعَهُ بِأَنْ قَالُوا حُكْمُ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَحُكْمِ مَا قَبْلَهُ؛ لِكَوْنِهِ وَقْتًا لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهَا فِي الْمَنْعِ مَعَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا إِنْ رَمَى بِلَيْلٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ، كَمَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ قَالُوا: وَلِأَنَّ الرَّمْيَ يَجِبُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ مِنًى، فَلَمَّا لَمْ يُجْزِ رَمْيُ أَيَّامِ مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وتحرير ذلك قياساً أن رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ كَأَيَّامِ مِنًى، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ النَّحْرِ شَيْئَانِ رَمْيٌ وَذَبْحٌ فَلَمَّا لَمْ يجز بتقديم الذَّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ قَبْلَ الْفَجْرِ.

وَدَلِيلُنَا: رِوَايَةُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْلَةَ الَنَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ ".

وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ أَنْ تَأْتِيَ مِنًى بليلٍ، ورمت قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَاسُ، فَأَذِنَ لَهَا، وَكَانَتِ امرأة ثقيلة بطيئة ".

وروى ابن جريج عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ أَسْمَاءَ مِنْ جَمْعٍ لَمَّا غَابَ الْقَمَرُ وَأَتَيْنَا مِنًى وَرَمَيْنَا وَصَلَّتِ الصُبْحَ فِي دَارِهَا فَقُلْتُ يَا هَنْتَاهُ رَمَيْنَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ أَيَّامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ تَوَابِعِ النَّهَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي الرَّمْيِ حُكْمَ النَّهَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ رَمْيٌ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ، كَالرَّمْيِ بَعْدَ الْفَجْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>