للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَمْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا عَارَضَتْهُ أَخْبَارُنَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الِاخْتِيَارِ.

وأما قياسهم على ما قبل نصل اللَّيْلِ فَالْمَعْنَى فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْيَوْمِ الْمَاضِي، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي مِنْ تَوَابِعِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ مِنًى فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ مِنًى مُخَالِفٌ لِلرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِي أَيَّامِ مِنًى لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلِذَلِكَ جَازَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي أَيَّامِ مِنًى قَبْلَ الْفَجْرِ.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَ يَنْحَرُ الْهَدْيَ إِنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يحلق أو يقصر ويأكل من لحم هديه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا نَحْرُ الْهَدْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَمِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ؛ لِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عملٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ دمٍ، وإنه ليأتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ يقع في اللَّهِ تَعَالَى بمكانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا " فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَوْمُ النَّحْرِ يَخْتَصُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، وَالنَّحْرُ، وَالْحَلْقُ، وَالطَّوَافُ، وَتَرْتِيبُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سُنَّةٌ، فَيَبْدَأُ بِالرَّمْيِ ثُمَّ بِالنَّحْرِ ثُمَّ بِالْحَلْقِ ثُمَّ بِالطَّوَافِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لَيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} (الحج: ٢٩) يعني: الرمي. {وَلْيُوفُوا نُذُرَهُمْ} يَعْنِي: نَحَرَ الْهَدْيِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُوا حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَأَمَرَ بِالْحَلْقِ بَعْدَ نَحْرِ الْهَدْيِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) {الحج: ٢٩) وَرَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَذَبَحَ وَدَعَا بِالْحَالِقِ فَنَاوَلَهُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ ثُمَّ أَعْطَاهُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَرْتِيبَ ذَلِكَ سُنَّةٌ فَخَالَفَ التَّرْتِيبَ فَأَخَّرَ مُقَدَّمًا، أَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا نَظَرَ، فَإِنْ قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحِلَاقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ) {البقرة: ١٩٦) وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَفَ بِمِنًى لِيَسْأَلَهُ النَاسُ فَأَتَاهُ رجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ ذَبَحْتُ، فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>