للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْحَجِّ إِحْلَالَيْنِ يَسْتَبِيحُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا بَعْضَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَيَسْتَبِيحُ بِالثَّانِي جَمِيعَهَا، وَفِي الْعُمْرَةِ إِحْلَالٌ وَاحِدٌ يَسْتَبِيحُ بِهِ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَخَفُّ حَالًا مِنَ الْحَجِّ، وَأَقَلُّ عَمَلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَنَّ الْحَاجَّ يَفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، وَالنَّحْرُ، وَالْحَلْقُ، وَالطَّوَافُ فَنَبْدَأُ بِبَيَانِ أَحْكَامِهَا، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حُكْمَ الْإِحْلَالَيْنِ، فَالرَّمْيُ نُسُكٌ يُتَحَلَّلُ بِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ، وَنَحْرُ الْهَدْيِ لَيْسَ بِنُسُكٍ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ نُسُكٌ يَتَحَلَّلُ بِهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَفِي الْحَلْقِ قَوْلَانِ مَضَيَا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نُسُكٌ يُتَحَلَّلُ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى إِبَانَةِ الْإِحْلَالَيْنِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَإِنَّمَا هُوَ إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ فَالْإِحْلَالُ الثَّانِي يَكُونُ بِشَيْئَيْنِ: الرَّمْيِ، وَالطَّوَافِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى قَبْلَ عَرَفَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّعْيُ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَعَى بَعْدَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ السعي مع هذا وَلَمْ يَحِلَّ قَبْلَ السَّعْيِ، فَإِذَا فَعَلَ السَّعْيَ والطواف فقد حل إحلال الثَّانِي، وَيَكُونُ إِحْلَالُهُ بِالْأَوَّلِ بِأَحَدِهِمَا إِمَّا بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ أَوْ بِالطَّوَافِ وَحْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ يُتَحَلَّلُ به فالإحلال الثاني أن يكون بثلاث أَشْيَاءَ، بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ فَإِذَا فَعَلَهَا فَقَدْ حَلَّ إِحْلَالَهُ الثَّانِي وَيَكُونُ إِحْلَالُهُ الْأَوَّلُ بِشَيْئَيْنِ مِنْهَا إِمَّا بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، أو بالرمي والطواف.

[فصل]

: فإذ وَضَحَ حُكْمُ الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ وَالْإِحْلَالِ الثَّانِي انْتُقِلَ الْكَلَامُ إِلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ وَالْإِحْلَالِ الثَّانِي.

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ الطِّيبُ، وَاللِّبَاسُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْلِيمُ وَالتَّرْجِيلُ، وَوَطْءُ النِّسَاءِ وَمُبَاشَرَتُهُنَّ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ، وَتَغْطِيَةُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِحْرَامُ مِنْ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَجْهِ الْمَرْأَةِ فَإِذَا أَحَلَّ إِحْلَالَهُ الثَّانِي اسْتَبَاحَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَأَمَّا إِذَا أَحَلَّ إِحْلَالَهُ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يستبيح منها خمسة أشياء قولاً واحداً وهو اللِّبَاسُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ وَالتَّرْجِيلُ وَتَغْطِيَةُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِحْرَامُ وَيَسْتَدِيمُ حَظْرُ شَيْئَيْنِ مِنْهَا قَوْلًا واحداً هما الْوَطْءُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فَإِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ " فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ الطِّيبُ، وَالنِّكَاحُ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُسْتَدَامَةُ الْحَظْرِ كَالْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ كَالْحَلْقِ وَاللِّبَاسِ لقوله عليه السلام: " فإذا رميتم وحلقتم حَلَّ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ " وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الطِّيبَ مُبَاحٌ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ حَكَاهُ عن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>