للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " هَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ يَعْسُرُ بِهِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصُّ خبرٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، وَضَرْبٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَرْبَعَةُ دِمَاءٍ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَدَمُ كَفَّارَةِ الْأَذَى وَدَمُ الْإِحْصَارِ فَهَذِهِ الدِّمَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَهِيَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا نَصَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ.

وَالثَّانِي: مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى بَدَلِهِ، فَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَلَى بَدَلِهِ فَثَلَاثَةُ دِمَاءٍ: دَمُ التَّمَتُّعِ، دَمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَدَمُ كَفَّارَةِ الْأَذَى، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا جَعَلَ بَدَلَهُ تَرْتِيبًا وَتَقْدِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ وَلَا تَخْيِيرٍ وَذَلِكَ دَمُ التَّمَتُّعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) {البقرة: ١٩٦) فَجَعَلَ الْبَدَلَ فِيهِ مُقَدَّرًا بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ مُرَتَّبًا عِنْدَ عَدَمِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ.

وَالثَّانِي: مَا جَعَلَ بَدَلَهُ تَعْدِيلًا مَعَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفَارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً) {المائدة: ٩٥) فَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ أَوِ الْإِطْعَامِ بِالتَّعْدِيلِ، فَيُقَوِّمُ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ وَيَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ فِي طَعَامٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ " مُدٍّ " يَوْمًا فَجَعَلَ الْبَدَلَ فِيهِ تَعْدِيلًا وَتَخْيِيرًا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ.

وَالثَّالِثُ: مَا جَعَلَ بَدَلَهُ تَخْيِيرًا وَتَقْدِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ وَلَا تَرْتِيبٍ وَهُوَ كَفَّارَةُ الْأَذَى فِي حَلْقِ الشَّعْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ) {البقرة: ١٩٦) فَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ غير أن ينص على مقدراها فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمِقْدَارَ فِيهَا فَقَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: " احْلِقْ وَانْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ " فَجَعَلَهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ شاة أو صيام أو ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَهَذَا حُكْمُ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَبْدَالِهَا، وَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَى بَدَلِهِ فَهُوَ دَمُ الْإِحْصَارِ قال الله تعالى: {فَإِذا أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الهَدْيِ) {البقرة: ١٩٦) فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ بِإِحْصَارِ الْعَدُوِّ هَدْيًا وَهُوَ " شَاةٌ " وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى بَدَلِهِ، فَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَلْ لَهُ بَدَلٌ عِنْدَ عَدَمِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا بَدَلَ لَهُ وَيَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَهُ بَدَلٌ وَبَدَلُهُ الصِّيَامُ وَفِي قَدْرِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كَالتَّمَتُّعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>