للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يُفْسِدُ الْحَجَّ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ، لِوُلُوجِ ذَكَرِهِ فِي الْفَرْجِ كَالْمُبَاشِرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ لم يماس الفرج فكان الفرج كَغَيْرِ الْمُوْلَجِ وَكَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ يُفَرِّقُ فَيَقُولُ: إِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ كَثِيفَةً لَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْحَجُّ، وَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً فَسَدَ بِهِ الْحَجُّ، وَوَجَبَ بِهِ الْغُسْلُ، لِحُصُولِ اللَّذَّةِ بِهَذِهِ وَعَدَمِهَا بتلك.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ اْلَفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النحر فقد أدرك الحج " (قال) ومن فاته ذلك فاته الحج فآمره أن يحل بطوافٍ وسعيٍ وحلاقٍ (قال) وإن حل بعمل عمرةٍ فليس أن حجه صار عمرة وكيف يصير عمرةً وقد ابتدأه حجاً (قال المزني) إذا كان عمله عنده عمل حج لم يخرج منه إلى عمرةٍ فقياس قوله أن يأتي بباقي الحج وهو المبيت بمنىً والرمي بها مع الطواف والسعي وتأول قول عمر افعل ما يفعل المعتمر إنما أراد أن الطواف والسعي من عمل الحج لا أنها عمرةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَذَكَرْنَا تَحْدِيدَ زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ زَوَالِ الشمس الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَتَعَلَّقَ بِالْقِرَانِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: إِتْمَامُ الْأَرْكَانِ.

وَالثَّانِي: وُجُوبُ الْقَضَاءِ.

وَالثَّالِثُ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ، فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إِتْمَامُ الْأَرْكَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَذَلِكَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحِلَاقٌ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ حَجُّهُ عُمْرَةً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى.

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَاقِي الْأَرْكَانِ وَالتَّوَابِعِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى.

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: فَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَيُتِمَّ حَجَّهُ.

وَقَالَ أبو يوسف: يَنْقَلِبُ حَجُّهُ فَيَصِيرُ عُمْرَةً، فَإِذَا تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ بِأَنْ قَالَ: الْعَجْزُ عن بعض الأركان يُوجِبُ سُقُوطَ غَيْرِهِ مِنَ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>