للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بُلُوغُ الصَّبِيِّ فِي الْحَجِّ يُسْقِطُ عَنْهُ الْفَرْضَ وَإِنْ كَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَقَلَّ؟ قِيلَ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ بَلَغَ بَعْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا فَكَذَلِكَ إِذَا بَلَغَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّهَا وَالصَّبِيُّ لَوْ بَلَغَ بَعْدَ فِعْلِ الْحَجِّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ فَاعْتَبَرَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَا يَقَعُ بِهِ إِدْرَاكُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا لِوُجُودِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إِمَّا أَنْ يَرْجِعَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ إِلَى عَرَفَةَ أَوْ لَا يَرْجِعَا فَإِنْ رَجِعَا إِلَى عَرَفَةَ فَوَقَفَا بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمَا ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا فَرْضُ الْحَجِّ وَهَلْ عَلَيْهِمَا دَمٌ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا إِلَى عَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَجَّهُمَا يَكُونُ تُطَوُّعًا وَلَا يُجْزِئُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي زَمَانٍ يَكْمُلُ فِيهِ إِدْرَاكُ الْحَجِّ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا فَرْضُ الْحَجِّ لِوُجُودِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي زَمَانِ الْوُقُوفِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِوُجُودِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِأَنَّ الوقوف بعد البلوغ والحرية يمكن أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحَرِيَّةِ مُمْكِنٌ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ إِدْرَاكَ الْحَجِّ وَفَوَاتَهُ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْوُقُوفِ دُونَ زَمَانِ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بَعْدَ إِدْرَاكِ الزَّمَانِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يقف لفوات الزمان وإذا كان لذلك كَانَ وُجُودُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي زَمَانِ الْوُقُوفِ كَوُجُودِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَ زَمَانِ الْوُقُوفِ فَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَإِنَّمَا يُعَدُّ مِنْ فَرْضِهِ مِنْ حِينِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ قبل الوقوف بعرفة وكان قد سعى قبل بُلُوغِهِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ إِعَادَةُ السَّعْيِ بِعَرَفَةَ لِيَكُونَ السَّعْيُ مَوْجُودًا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ سَعْيُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَإِنْ لَمْ يُعِدِ السَّعْيَ كَانَ تُحَلُّلُهُ صَحِيحًا وَكَانَ فَرْضُ الْحَجِّ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ السَّعْيِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الْوُقُوفِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِحْرَامُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مِنْ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ وَعِبَادَاتُ الْأَبْدَانِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ إِسْلَامِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَ زَمَانِ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَمَانِ الْوُقُوفِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضُ الْحَجِّ فِي عَامِهِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَلَزِمَهُ فَرْضُ الْعُمْرَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِهَا وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَهَا عَلَى التَّرَاخِي وَالتَّوْسِعَةِ فَإِنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ زَمَانِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ فِي زَمَانِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَيُمْكِنُهُ إِدْرَاكُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي عَامِهِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ فِي عَامِهِ فَيَنْوِيَ الْإِحْرَامَ بِهِ فِي وَقْتِهِ وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>