للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنما لزمه باختياره والسيد منع عبده مما وَجَبَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ صَلَاةِ النَّذْرِ وَصِيَامِ النَّذْرِ فَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ مدة رقه كان له إذا أعتقه فأما القضاء فلم يتناوله لأنه قد صار قضاء حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَهَلْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنَ الْقَضَاءِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، لِأَنَّ إِذْنَهُ بِالْحَجِّ إِذْنٌ بِهِ وَبِمُوجَبِهِ وَالْقَضَاءُ مِنْ مُوجَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ الْقَضَاءُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْأَوَّلَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْحَجَّ الْأَوَّلَ وَمُوجِبُهُ الَّذِي لا يعرى منه فأما القضاء فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعَرَّى مِنْهُ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ مُدَّةَ رِقِّهِ وَإِنْ مَكَّنَهُ مِنَ الْقَضَاءِ فِي رِقِّهِ فَقَضَاهُ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ حَتَّى أَعْتَقَ فَقَدْ لَزِمَهُ حَجَّتَانِ الْقَضَاءُ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ، لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا فَإِنْ قَدَّمَ الْقَضَاءَ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ انْصَرَفَ إِحْرَامُهُ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ دُونَ الْقَضَاءِ وَلَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِيمَا بَعْدُ لِحَجَّةِ الْقَضَاءِ هَذَا إِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى رِقِّهِ إلى أن أحل من حجة الفساد والله أعلم.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا أُعْتَقَ فِي حَجَّةِ الْفَسَادِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ الَّذِي أَفْسَدَهُ لَوْ عَرِيَ عَنِ الْفَسَادِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَضَاؤُهُ يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ لَوْ عَرِيَ عَنِ الْفَسَادِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَضَاؤُهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حر فأما الصبي إذا وطء فِي حَجِّهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ مِنْ قَبْلُ مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ فَإِنْ بَلَغَ فِي حجه الذي أفسده كان لعتق الْعَبْدِ فِي حَجِّهِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فَإِنْ كَانَ بُلُوغُهُ قَبْلَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ حَجَّهُ لَوْ عَرِيَ عَنِ الْفَسَادِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ بُلُوغُهُ بَعْدَ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ حَجَّهُ لَوْ عَرِيَ عَنِ الْفَسَادِ لم يجزئه عن حجة الإسلام.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ يَدَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ حَبْسُهُ وفيه قولان: أحدهما تقوم الشاة دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مد يوماً ثم يحل والآخر لا شيء عليه حتى يعتق فيكون عليه شاةً (قال المزني) أولى بقوله وأشبه عندي بمذهبه أن يحل ولا يظلم مولاه بغيبته ومنع خدمته فإذا أعتق أهراق دماً في معناه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>