للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ فَأَعْطَاهُ دَمًا لِتَمَتُّعِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ إِلَّا الصَّوْمُ مَا كَانَ مَمْلُوكًا وَيُجْزِي أَنْ يُعْطِيَ عَنْهُ مَيْتًا كَمَا يُعْطِي عَنْ ميتٍ قَضَاءً لِأَنَّ النَبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ سَعْدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ عَنِ الْعَبْدِ فِي إِحْرَامِهِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَجِبَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ عَنْ غَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعْسِرًا لَمْ يُمَلِّكْهُ السَّيِّدُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَكَفَّارَتُهُ الصِّيَامُ وَإِنْ مَلَكَّهُ السَّيِّدُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ وَيُكَفِّرُ بِالدَّمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ لِقُدْرَتِهِ وَمِلْكِهِ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ فَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بِالصَّوْمِ حَتَّى أُعْتِقَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ عِتْقِهِ مُوسِرًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ هَلْ يُرَاعَى بِهَا حَالُ الْوُجُوبِ أَوْ حال الأداء؟ على القولين أَنَّ الْمُرَاعَى بِهَا حَالُ الْأَدَاءِ كَالصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالدَّمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاعَى بِهَا حَالُ الْوُجُوبِ كَالْحُدُودِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالدَّمِ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ فَإِنْ عَدَلَ إِلَى الدَّمِ عَنِ الصَّوْمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ أَغْلَظُ حَالًا مِنَ الصَّوْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّوْمُ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ رِقِّهِ لَمْ يَكُنْ يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّوْمُ وَكَذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّوْمُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَجِبَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ عَنْ أَمْرِ السَّيِّدِ فَهَذَا على ضربين:

أحدهما: ما لا يستبح فِعْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِهِ كَالْوَطْءِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَهَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا فَعَلَهُ من غير أمر السيد، لأنه أَمْرَ السَّيِّدِ لَا يُبِيحُ مَا كَانَ مَحْظُورًا فَكَانَ وُجُودُ أَمْرِهِ كَعِدْمِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يستبيح فِعْلُهُ بِأَمْرِ السَّيِّدِ كَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَإِذَا تَمَتَّعَ وَقَرَنَ عَنْ أَمْرِهِ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ يَكُونُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُهُ الدَّمُ وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِخْرَاجُ الدَّمِ عَنْهُ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ فَيُجْزِئُهُ الدَّمُ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْقَدِيمِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ بِأَمْرِهِ فَعَلَى هَذَا عَلَى السَّيِّدِ إِخْرَاجُ الدَّمِ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُ الْعَبْدِ فِيهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ دُونَ فِعْلِ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ السَّيِّدُ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ كَفَّرَ بِالدَّمِ كَالْمُوسِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>