للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْرَامِ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرِهِ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ أَرْكَانِ الْحَجِّ سِوَى الْإِحْرَامِ لَمَّا تَقَدَّرَتْ بِالشَّرْعِ اسْتُغْنِيَ عَنْ تَقْدِيرِهَا بِالْعَقْدِ فَكَذَا الْإِحْرَامُ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَوْجَبَ تَعْيِينَ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَأَبْطَلَ الْإِجَارَةَ بِتَرْكِهِ إِذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا، لِأَنَّ لِلْحَيِّ غَرَضًا فِي الْإِحْرَامِ فَافْتُقِرَ إِلَى تَعْيِينِهِ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي أَجَازَ فِيهِ الْإِجَارَةَ إِذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ مَيِّتًا لِفَقْدِ غَرَضِهِ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ اخْتِلَافَ الْحَالَيْنِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبْطَلَ الْإِجَارَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِبَلَدِهِ طَرِيقَانِ وَمِيقَاتَانِ مُخْتَلِفَانِ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي أَجَازَ الْإِجَارَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِبَلَدٍ طَرِيقٌ وَاحِدٌ وَمِيقَاتٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ فالحج واقع على الْمَحْجُوجِ وَإِنْ قُلْنَا بِفَسَادِهِ فَوَاقِعٌ عَنْهُ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ عَنْ إِذْنِهِ وَإِنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْعِوَضِ لَكِنْ يَكُونُ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى وَأَمَّا تَعْيِينُ مَنْ يُؤَدِّي عَنِ النُّسُكِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي إِجْزَاءِ الْحَجِّ دُونَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْعَقْدِ لَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى ذِكْرِهِ فِيمَا بَعْدُ فَلَوْ أَمَرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أن ينقل الحج عن من أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لَزِمَ الْأَجِيرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُحْرِمْ عَنْهُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةُ عَمَلٍ عَلَيْهِ وَلَا تَفْوِيتُ غَرَضٍ لَهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ، لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ تَعَيَّنَ عَنِ الْأَوَّلِ بِدُخُولِ الْأَخِيرِ فِيهِ نَاوِيًا عَنْهُ وَالْحَجُّ إِذَا تَعَيَّنَ عَنْ شَخْصٍ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يحرم إلا بعد تعيين الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِيَصْرِفَ الْإِحْرَامَ إِلَيْهِ فَلَوْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ إِحْرَامًا مَوْقُوفًا ليصرفه إلى المحجوج عنه إذا تعين فهذه عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَهَذَا غَيْرُ مُجْزِئٍ وَيَكُونُ الْحَجُّ وَاقِعًا عَنِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ مَوْقُوفًا عَلَى تَعْيِينِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَعْدَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى تَعْيِينِهِ بَعْدَ فِعْلِ جَمِيعِ أَرْكَانِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جائز فكذلك إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الْمَوْقُوفِ وَقَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْكَانِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَجُّ وَاقِعًا عَنِ الْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>