للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى آدَمِيٍّ عِجْلًا صَغِيرًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ عَلَى آدَمِيٍّ ثَوْرًا كَبِيرًا.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنْ نَقُولَ: لِأَنَّهُ ضمان مختلف بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْجَزَاءَ هَدْيًا، فَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْهَدْيِ إِذَا أُطْلِقَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ بَيْضَةً، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، فَعَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ سَاقِطٌ.

وَالثَّانِي: يَقْتَضِي مَا يُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ، وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَقْتَضِي مَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ إِذَا كَانَ لَفْظُ الْهَدْيِ مُطْلَقًا، وَالْهَدْيُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ، فَحُمِلَ عَلَى تَقْيِيدِهِ دُونَ مَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حُكْمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ عَنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ؛ فَلِأَنَّ مَفْهُومَ السُّؤَالِ يُغْنِي عَنِ الِاسْتِفْهَامِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ عَنْ جَزَاءِ النَّعَامَةِ يُفْهَمُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فَرْخَ النَّعَامَةِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الصَّيْدِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْمَسْأَلَةِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالْيَدِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ، وَالْجَزَاءُ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْكَفَّارَاتِ أَوْ مَجْرَى الدِّيَاتِ، فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَخْلُو مِنْ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يجري مجرى أموال الآدمين، عَلَى أَنَّهُمْ إِنْ رَدُّوهُ إِلَى الْكَفَّارَاتِ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ رَدُّوهُ إِلَى الدِّيَاتِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّيَاتِ لَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ حَتَّى كَانَتْ دِيَةُ الْعَرَبِيِّ كَدِيَةِ الْقِبْطِيِّ، وَدِيَةُ الشَّرِيفِ كَدِيَةِ الدَّنِيءِ، وَدِيَةُ الْأَسْوَدِ كَدِيَةِ الْأَبْيَضِ، لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ، وَلَمَّا كَانَ الْجَزَاءُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ، اختلف باختلاف الأسنان، والله أعلم.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا أَعْوَرَ أَوْ مَكْسُورًا فَدَاهُ بِمِثْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَهُوَ قَوْلُ عطاءٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مُعْتَبَرَةٌ مِنَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، فَإِذَا قَتَلَ صَيْدًا أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ فَدَاهُ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَدَاهُ بِالصَّحِيحِ كَانَ أَوْلَى لِكَمَالِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِمِثْلِهِ أَعْوَرَ أَوْ أَعْرَجَ، وَقَالَ بعض أصحابنا: لا يجوز أن يفديه بمعين مِثْلِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِصَحِيحٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي عِنْدَهُ مَجْرَى الْكَفَّارَاتِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (المائدة: ٩٥) فَمِثْلُ الْأَعْوَرِ أعورٌ، وَلَيْسَ الصَّحِيحُ مِثْلًا لَهُ؛ وَلِأَنَّ النَّقْصَ قَدْ يَعْتَوِرُ الصَّيْدَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>