للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا "؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْحَرَمِ لَا لِلشَّجَرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَرَمِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ حَلَالًا صَادَ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا وَأَطْلَقَهُ فِي الْحَرَمِ كَانَ كَصَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِحُرْمَةِ الْمَكَانِ، فَكَذَلِكَ الشَّجَرُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا قَلَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَغَرَسَهُ فِي الْحِلِّ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ نَبَتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهُ إِلَى الْحَرَمِ وَغَرْسُهُ فِيهِ فَإِنْ نَقْلَهُ وَغَرْسَهُ وَنَبَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ أَخَذَ صَيْدًا مِنَ الْحَرَمِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى الْحَرَمِ، فَهَلَّا كَانَ الشَّجَرُ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الصَّيْدَ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّجَرُ، فَلَوْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَغَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْبُتْ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ نَبْتَ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَقْلُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَكَانِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ كَحُرْمَةِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، فَلَوْ قَطَعَ مِنَ الْحَرَمِ شَجَرًا مَيِّتًا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ فِي إِتْلَافِ مَا كَانَ نَامِيًا، وَالشَّجَرُ الْمَيِّتُ لَيْسَ بِنَامٍ، فَلَا جَزَاءَ فِيهِ كَالصَّيْدِ الْمَيِّتِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا النَّبَاتُ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ، كَالْبُقُولِ وَالْحُبُوبِ وَسَائِرِ الْخَضْرَاوَاتِ، فَحُكْمُهُ فِي الْحَرَمِ كَحُكْمِهِ فِي الْحِلِّ، مُبَاحٌ لِمَالِكِهِ وَمَحْظُورٌ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ، وَلَا جَزَاءَ فِي جَزِّهِ وَلَا قَطْعِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَنْبُتُ فِي الْمَوَاتِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةِ آدَمِيٍّ، فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ إِذْخِرَ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ وَجَزُّهُ وَقَلْعُهُ؛ لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِسَقْفِهِمْ وَلِقَيْنِهِمْ فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ دَوَاءً كَالسَّنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَأَخْذُهُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ أَخْذَ الْإِذْخِرِ لِمَنْفَعَتِهِ فَكَذَلِكَ الدَّوَاءُ لِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ شَوْكًا، كَالْعَوْسَجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَقَلْعُهُ مُبَاحٌ وَلَا شَيْءَ فِي إِتْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَشَابَهَ الْبَهَائِمَ الْمُؤْذِيَةَ الَّتِي لَا جَزَاءَ فِي قَتْلِهَا كَالسِّبَاعِ وَغَيْرِهَا.

وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: مَا كَانَ حَشِيشًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْلَعَ وَلَا أَنْ يُقْطَعَ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلَا يُخْتَلَى خَلَاؤُهَا) ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَرْعَاهُ الْبَهَائِمُ، وَقَالَ أبو حنيفة: تُمْنَعُ الْبَهَائِمُ مِنْ رَعْيِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) رَأَى أَعْرَابِيًّا يَعْلِفُ رَاحِلَتَهُ فَمَنَعَهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَلَا يُخْتَلَى خَلَاؤُهَا إِلَّا لِعَلْفِ دَوَابَّ " وَلِأَنَّ فِي امْتِنَاعِ أَهْلِ الْحَرَمِ مِنْ رَعْيِهِ إضرار بمواشيهم، وضيق عليهم، وقد قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>