للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ لَيْسَتَبِيحُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ تَكُنْ لُحُومُ الصَّيْدِ تُبَاعُ بِمَكَّةَ إِلَّا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) {آل عمران: ٩٧) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَةَ " مَنْ " لَا تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَعْقِلُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَن دَخَلَهُ} وَالصَّيْدُ لَمْ يَدْخُلْهُ وَإِنَّمَا أُدْخِلَ إِلَيْهِ، فَأَمَّا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا " لَا يَتَنَاوَلُ مَا أُدْخِلَ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَيْدِهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ على الإحرام فمنعاهما يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ قَتْلَ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَحَرَّمَ قَتْلَ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَمَا أُدْخِلَ الْحَرَمَ مَصِيدًا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، فَجَازَ قَتْلُهُ، وَمَا صِيدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أُحْرِمَ فَهُوَ قَتْلُ صَيْدٍ مِنْ مُحْرِمٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ قَتْلَهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا صَيْدُ الْحِلِّ إِذَا صَادَهُ مُحِلٌّ ثُمَّ أَحْرَمَ فَهَلْ يَزُولُ مَلِكُهُ عَنِ الصَّيْدِ بِإِحْرَامِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إِلَّا بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ فِي " الْإِمْلَاءِ "؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُزِيلَ الْمِلْكَ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمُحِلٍّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ، وَإِنْ تَلِفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ صَيْدٌ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ قِيَاسًا عَلَى ابْتِدَاءِ صَيْدِهِ فِي إِحْرَامِهِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ، فَإِذَا مَنَعَ الإحرام من ابتدائه مع مِنَ اسْتَدَامَتْهُ، كَاللِّبَاسِ طَرْدًا وَالنِّكَاحَ عَكْسًا، فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَمْوَالِهِ إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ، فَإِنْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَفِعْلُهُ جَائِزٌ فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَهَبَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ جَازَ أَنْ يَذْبَحَهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ إِحْلَالُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي: إِنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا صَادَهُ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَلَا يَكُونُ مَالِكًا لَهُ وَعَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ حَتَّى يُرْسِلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنِ اغْتَصَبَهُ غَيْرُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى مُرْسِلِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ نُظِرَ فِي الْقَاتِلِ فَإِنْ كَانَ مُحِلًّا فَالْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِالْيَدِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ إِذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ:

أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُمْسِكَ ضَامِنٌ بِيَدِهِ، وَالْقَاتِلَ ضَامِنٌ بفعله.

<<  <  ج: ص:  >  >>