للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ الْبَلْوَى، وَمَا عَمَّ بِهِ الْبَلْوَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيَانُهُ مُنْتَشِرًا وَفِي النَّاسِ مُسْتَفِيضًا، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِفَاضَةٌ، فَلَمْ يَصِحَّ تَحْرِيمُهُ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ: مَا رَوَى أَسْعَدُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ وَخَلِيلَهُ، وَإِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقْطَعَ شَجَرَهَا إِلَّا لِعَلَفِ بَعِيرِهِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، ثُمَّ كَانَ صَيْدُ مَكَّةَ حَرَامًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامًا.

وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لَأُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ لَا يُقْطَعَ عِضَاهُهَا وَلَا يُقْتَلَ صَيْدُهَا "، وَقَالَ: " الْمَدِينَةُ خيرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَا يَخْرُجْ عَنْهَا أحدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يثبت أحدٌ على لأوائها وجهدها إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "، وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ.

وروى يزيد التميمي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ الْمَدِينَةَ حرامٌ مَا بَيْنَ عيرٍ إِلَى ثورٍ " وَهُمَا جَبَلَانِ بِالْمَدِينَةِ.

وَرَوَى الزُّهُرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فلو وجدت الضياء ما بين لابتيها ما زعرتها وَجُعِلَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ صَيْدَ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ فَهَلْ يُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ، وَجَزَاؤُهُ سَلَبُ قَاتِلِهِ؛ لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَأَى رَجُلًا يَصِيدُ بِالْمَدِينَةِ فَسَلَبَهُ، فَجَاءَهُ مَوَالِيهِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَصِيدُ بِالْمَدِينَةِ فَاسْلُبُوهُ، فَلَا أرد طعمة أطعمنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَكِنْ إِنْ شِئْتُمْ أَنْ أُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ فَعَلْتُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ مِنَ الْإِمْلَاءِ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ لَمْ يُضْمَنْ بِالْجَزَاءِ وَالسَّلَبِ، كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ صَيْدٍ لَمْ يَكُنْ جَزَاؤُهُ مَصْرُوفًا إِلَى أَهْلِ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ كَصَيْدِ سَائِرِ الْبُلْدَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>