للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ بَيْضًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُلَقِّحَ مَحِلَّهُ عَلَى ذَوْقٍ بِعَدَدِ الْبَيْضِ فَمَا نَتَجَتْ مِنْ شيءٍ تَصَدَّقَ بِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْبَيْضِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَالْجَنِينِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ.

وَدَلِيلُنَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ قِيمَتُهَا ".

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ، فَالْقِيمَةُ مُعْتَبِرَةٌ بِاجْتِهَادِ فَقِيهَيْنِ، وَكَذَلِكَ قِيمَةُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ الصَّيْدِ كُلِّهِ، يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا فَقِيهَانِ عَدْلَانِ، كَمَا يَحْكُمَانِ بِالْمِثْلِ مِنَ الْجَزَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) {المائدة: ٩٤) وَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْبَيْضِ فِي مَوْضِعِ إِتْلَافِهِ أَوْ بِمَكَّةَ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِذَا حَكَمَا بِالْقِيمَةِ كَانَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ دَرَاهِمَ يَصْرِفُهَا فِي مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مدٍ يَوْمًا، كَمَا كَانَ مخيراً في جزاء ماله مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ؛ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ كَبَيْضِ النَّعَامِ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ قِشْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَيِّتًا لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ جِلْدِهِ، فَهَلَّا كَانَ الْبَيْضُ الْفَاسِدُ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ قِشْرِهِ.

قِيلَ: لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَقِشْرُ الْبَيْضِ لَهُ قِيمَةٌ.

فَصْلٌ

: وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ صَحِيحًا فِيهِ فَرْخٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْفَرْخِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا.

فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَقَالَ أبو حنيفة: فِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ضَمَانَ الْأُمِّ أَقْوَى مِنْ ضَمَانِ الْفَرْخِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الْأُمَّ بَعْدَ موتها لم يضمنها بالجزاء، فالرخ إِذَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْلَى أَلَّا يَضْمَنَهُ بِالْجَزَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ضَمَانَ الْبَيْضِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ ضَمَانِهِ بِالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَبِالْجَزَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْفَرْخُ بِمَيِّتٍ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ مَضْمُونًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِالْجَزَاءِ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ الْفَرْخُ حَيًّا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أن يَعِيشَ وَيَمْتَنِعَ أَوْ يَمُوتَ، فَإِنْ عَاشَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، ثُمَّ له حالتان:

<<  <  ج: ص:  >  >>