للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ إِدْرَاكُ الْحَجِّ حِينَ سَلَكَهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَالْمَسَافَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْفَوَاتِ كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِأَنْ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ، أَوْ أَخْطَأَ فِي الْعَدَدِ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ، وَلَا يَكُونُ لِلْإِحْصَارِ تَأْثِيرٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ، فَكَانَ حُكْمُ الْإِحْصَارِ بَاقِيًا عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا الدَّمُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لِلْإِحْصَارِ دُونَ الْفَوَاتِ، فَهَذَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ إِذَا وَجَدَ طَرِيقًا يَسْلُكُهَا غَيْرَ الطَّرِيقِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهَا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْإِحْصَارِ إِذَا كَانَ عَامًّا.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْإِحْصَارُ خَاصًّا، وَهُوَ أَنْ يَحْبِسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ يُلَازِمَهُ غَرِيمٌ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَبْسُ السُّلْطَانِ لَهُ بِحَقٍّ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَمُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ لَهُ بِدَيْنٍ هُوَ قَادِرٌ على وفائه، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ حَابِسُ نَفْسِهِ، إِذْ قَدْ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَأَدَاءُ مَا عَلَيْهِ، فَصَارَ كَمَنِ اخْتَارَ الْمَقَامَ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ إِحْرَامِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَبْسُ السُّلْطَانِ لَهُ بِظُلْمٍ، وَمُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ لَهُ مَعَ إِعْسَارٍ، فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، كَالْإِحْصَارِ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ دَمُ الْإِحْصَارِ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْإِحْصَارِ الْعَامِّ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ بِهِمَا مَعْذُورٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ دَمِ الْإِحْصَارِ.

فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْصَارِ الْعَامِّ حَيْثُ لَمْ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَبَيْنَ الْإِحْصَارِ الْخَاصِّ حَيْثُ وَجَبَ فِيهِ الْقَضَاءُ؟ .

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَعْذَارَ الْعَامَّةَ أَدْخَلُ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ مِنَ الْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ؛ لِمَا يَلْحَقُ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْكَافَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُجَّاجَ لو أخطأوا جَمِيعُهُمُ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ أَجْزَأَهُمْ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ وَلَوْ أَخْطَأَ وَاحِدٌ فَوَقَفَ في اليوم العاشر لم يجزه كذلك للإحصار الْعَامُّ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَالْإِحْصَارُ الْخَاصُّ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، فَهَذَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ فِي الْحِلِّ بِإِحْصَارٍ خَاصٍّ وَعَامٍّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>