للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّفْظَ كَانَ مُجْمَلًا، فَلَمَّا بينه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَارَ عَامًّا.

فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ.

فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الثَّانِي.

فَصْلٌ:

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا، وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا، وَكَانَ قَوْلُهُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ البيع} يَعْنِي: الَّذِي بَيَّنَهُ الرَّسُولُ مِنْ قَبْلُ، وَعَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ، فَتَرَتَّبَ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ، وَتَنَاوَلَتِ الْآيَةُ بَيْعًا مَعْهُودًا.

وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الله تعالى قال: {وأحل الله البيع} فَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ.

إِمَّا لِجِنْسٍ، أَوْ مَعْهُودٍ.

فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْجِنْسُ مُرَادًا، لِخُرُوجِ بَعْضِهِ مِنْهُ، ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْهُودَ مُرَادٌ.

فَعَلَى هَذَا، لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ، بَلْ يَرْجِعُ فِي حُكْمِ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَقَدَّمَهَا مِنَ السنة التي عرف بِهَا الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ مِنَ الْفَاسِدَةِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ.

فَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ:

فَهُوَ أَنَّ بَيَانَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الْبُيُوعِ وَأَمَرَ بِهِ سَابِقٌ لِلْآيَةِ.

وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ مُقْتَرِنٌ بِاللَّفْظِ، أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

أَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ يَقَعُ بِهِمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ:

فَأَحَدُهُمَا: مَا مَضَى مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيَانِ فِي الْمَعْهُودِ، وَاقْتِرَانِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِالْعُمُومِ.

وَالثَّانِي: جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْبُيُوعِ، وَفَسَادُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْمَعْهُودِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْبُيُوعِ.

(فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي مَاهِيَّةِ البيع)

فَإِذَا تَقَرَّرَ إِحْلَالُ الْبُيُوعِ فِي الْجُمْلَةِ.

فَحَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي اللِّسَانِ: تَبَدُّلُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>