للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَدِلَّةُ: اسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ:

بعموم قوله تعالى: {وأحل الله البيع}

وَبِمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ ".

وَقَالُوا: وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصحابة: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَنَاقَلَا دَارَيْنِ: إِحْدَاهُمَا بِالْكُوفَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْبَصْرَةِ، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: غَبَنْتَ فَقَالَ: لَا أُبَالِي لِي الْخِيَارُ إِذَا رَأَيْتُهَا، فَتَرَافَعَا إِلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ.

وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اشْتَرَى إِبِلًا لَمْ يَرَهَا.

فَصَارَ هَذَا قَوْلُ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْهُ فَقْدُ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ.

وَلِأَنَّ فَقْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْجَهْلِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ، وَالْجَهْلُ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ، لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهِ كَالْمَبِيعِ إِذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ وَالْمَفْقُودِ لِلرُّؤْيَةِ بِقِشْرِهِ، وَلِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ كَالصِّفَةِ فِي بُيُوعِ الصِّفَاتِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، كَمَا أَنَّ صِفَةَ جَمِيعِ السَّلَمِ فِيهِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، فَلَمَّا كَانَ مُشْتَرِي الصُّبْرَةِ إِذَا رَأَى بَعْضَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْتَاعَ جَمِيعَهَا، عُلِمَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ. وَلِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ. لَكَانَ وُجُودُهَا شَرْطًا فِي حَالِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُسْتَغْنَ بِرُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتِ الْعَقْدَ، كَالصِّفَاتِ فِي السَّلَمِ، وَذِكْرِ الثَّمَنِ، فَلَمَّا صَحَّ الْعَقْدُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْعَقْدِ ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ:

رِوَايَةُ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ". وَحَقِيقَةُ الْغَرَرِ؛ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ جَائِزَيْنِ أَخْوَفُهُمَا أَغْلَبُهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>