للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْعُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ غَرَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلِ الْمَبِيعُ سَالِمٌ أَوْ هَالِكٌ؟ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَصِلُ إِلَيْهِ أَوْ لَا يَصِلُ؟ .

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ " نَهَى عَنْ بَيْعِ غَائِبٍ بِنَاجِزٍ "، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ صَرْفٍ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ " نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ "، فَالْمُلَامَسَةُ: بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ.

فَإِذَا نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ لِجَهْلٍ بِالْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ حَاضِرًا، كَانَ بُطْلَانُهُ أَوْلَى إِذَا كَانَ غَائِبًا.

وَلِأَنَّ بَيْعَ الصِّفَةِ إِذَا عُلِّقَ بِالْعَيْنِ بَطَلَ، كَذَلِكَ بَيْعُ الْعَيْنِ إِذَا عُلِّقَ بِالصِّفَةِ بَطَلَ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ بِصِفَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا، كَالسَّلَمِ فِي الْأَعْيَانِ.

وَلِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي السَّلَمِ عَلَى الصِّفَةِ، وَالِاعْتِمَاد فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ عَلَى الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالصِّفَةِ، كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالرُّؤْيَةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ السَّلَمَ إِذَا لَمْ يُوصَفْ حَتَّى يَصِيرَ السلم فِيهِ مَعْلُومًا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَجَبَ إِذَا لَمْ يَرَ الْعَيْنَ حَتَّى تَصِيرَ مَعْلُومَةً بِالرُّؤْيَةِ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ، إِذِ الْإِخْلَالُ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْمَرْئِيَّاتِ كَالْإِخْلَالِ بِالصِّفَةِ فِي الْمَوْصُوفَاتِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: إِنَّ جَهْلَ الْمُشْتَرِي بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَالسَّلَمِ إِذَا لَمْ يُوصَفْ.

وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا.

فَإِنْ قيل: إنما بطل إذا باعه عبدا، لا أنه غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّهُ بَطَلَ لِكَوْنِهِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ.

قِيلَ: فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بُطْلَانُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّ السَّلَمَ يَصِحُّ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ بَطَلَ لِكَوْنِهِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ، وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُ عَبْدٍ وَسَطٍ.

وَلِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ والطير في

<<  <  ج: ص:  >  >>