للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصِحَّ الْبَيْعُ بِهَذَا اللَّفْظِ، حَتَّى يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَدْ بِعْتُكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: قَدِ اشْتَرَيْتَ مِنِّي، هُوَ اسْتِخْبَارٌ، وَلَيْسَ بِبَذْلٍ مِنْهُ وَلَا إِيجَابٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَذْلًا وَلَا إِيجَابًا، لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْبَيْعِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ.

وَهَكَذَا لَوِ ابْتَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ: قَدْ بِعْتَنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدْ بِعْتُكَ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، حَتَّى يَقُولَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ: قَدِ اشْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْمُشْتَرِي، لَيْسَ بِقَبُولٍ وَلَا طَلَبٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَلَا طَلَبًا، لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْبَيْعِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي.

وَأَمَّا عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ: فَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ فَيَقُولُ: سَأَبِيعُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ، أَوْ يَقُولُ: أَبِيعُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِهَا أَوْ سَأَشْتَرِيهِ، أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: تَبِيعُنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ: أَبِيعُكَ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ: تَشْتَرِي عَبْدِي بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْوَعْدِ. وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا تَلَفَّظَا بِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ خَارِجًا مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ: أَتَشْتَرِي عَبْدِي بِأَلْفٍ؟ فَيَقُولُ: قَدِ اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: أَتَبِيعُ عَبْدَكَ بِأَلْفٍ؟ فَيَقُولُ: قَدْ بِعْتُهُ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا عَقْدُهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ. فَإِنِ ابْتَدَأَ الْبَائِعُ فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: اشترِ عَبْدِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، إِلَّا أَنْ يَعُودَ الْبَائِعُ فَيَقُولُ: قَدْ بِعْتُ، وَلَوِ ابْتَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدْ بِعْتُكَ بِهَا، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَحْتَجِ الْمُشْتَرِي إِلَى إِعَادَةِ الْقَبُولِ عِنْدَنَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ مُبْتَدِيًا لِلْمُشْتَرِي: اشترِ عَبْدِي بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ: قَدِ اشْتَرَيْتُ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ لِلْبَائِعِ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ: قَدْ بِعْتُكَ بِهَا، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ كِلَا اللَّفْظَيْنِ أَمْرًا:

أَنَّ الْبَائِعَ إِنَّمَا يُرَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْبَذْلُ مُبْتَدِيًا أَوِ الْإِيجَابُ مُجِيبًا، وَلَفْظُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: اشترِ، لَمْ يُوضَعْ لِلْبَذْلِ وَلَا لِلْإِيجَابِ.

وَالْمُشْتَرِي إِنَّمَا يُرَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْقَبُولُ مُجِيبًا أَوِ الطَّلَبُ مُبْتَدِيًا، وَلَفْظُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: بِعْنِي، مَوْضُوعٌ لِلطَّلَبِ وَإِنْ لَمْ يُوضَعْ لِلْقَبُولِ.

فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ لَفْظَيِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الِابْتِدَاءِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ عَنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ وَمَعَانِي الْأَلْفَاظِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: هُمَا سَوَاءٌ، إِذَا ابْتَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ الْبَائِعُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>