للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَوَابُ وَهِيَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى يَمْلِكُ الْمَبِيعَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الثَّلَاثِ؟

فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ بِقَطْعِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ الْمِلْكُ حَاصِلًا بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ، وَاسْتِقْرَارُ الْمِلْكِ يَكُونُ بِقَطْعِ الْخِيَارِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ إِلَّا بِالْعَقْدِ وَقَطْعِ الْخِيَارِ، فَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ مُسْتَقِرًّا، إِلَّا بِالْعَقْدِ وَقَطْعِ الْخِيَارِ جَمِيعًا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ مَوْقُوفٌ مُرَاعى، فَإِنِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَنْ تراض منهما به، بان أن الْمُشْتَرِيَ كَانَ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنْ نقض الخيار عن فسخ، بأن أنّ الْمَبِيعَ، لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ، مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدَّمِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَالْمَبِيعُ قَدْ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إِلَّا بَعْدَ تَقَضِّي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مَلَكَهُ حِينَئِذٍ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ.

وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُخَالِفٌ لِمَذَاهِبِنَا الثَّلَاثَةِ، وَفِي تَوْجِيهِهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ - وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ - فَوَجْهُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: حَدِيثُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ".

فَسَمَّاهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى حُصُولِ الْبَيْعِ، وَمُوجَبُ الْبَيْعِ حُصُولُ الْمِلْكِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخِيَارَ نَوْعَانِ: خِيَارُ عَقْدٍ، وَخِيَارُ عَيْبٍ.

فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ خِيَارُ الْعَيْبِ مَانِعًا مِنْ حُصُولِ الْمِلْكِ، لَمْ يَكُنْ خِيَارُ الْعَقْدِ مَانِعًا مِنْ حُصُولِ الْمِلْكِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَمْلَاكَ تُسْتَفَادُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: بِقَوْلٍ، وَبِفِعْلٍ.

فَلَمَّا كَانَ مَا يُمْلَكُ بِالْفِعْلِ كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، لَا يَكُونُ مُرُورُ الزَّمَانِ مُؤَثِّرًا فِي تَمَلُّكِهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يُمْلَكُ بِالْقَوْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لَا يَكُونُ مُرُورُ الزَّمَانِ أَيْضًا مُؤَثِّرًا فِي تَمَلُّكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>