للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ".

وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ مَعْلُومٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْبَيْعِ، أَصْلُهُ خِيَارُ الثَّلَاثِ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلْحَقٌ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ ثَلَاثًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَالْأَجَلِ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ ضَرْبَانِ:

خِيَارُ مَجْلِسٍ، وَخِيَارُ شَرْطٍ.

فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَمْتَدَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوْقَ ثَلَاثٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فَوْقَ ثَلَاثٍ.

وَدَلِيلُنَا: رِوَايَةُ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ " فَأُجِيزَ بِالدَّلَالَةِ خِيَارُ الثَّلَاثِ، وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ، فَثَقُلَ لِسَانُهُ، وَكَانَ يَخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُبَايَعُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قُلْ لَا خِلَابَةَ " قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه سمعته يقول: " لَا خِذَابَةَ ".

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَخْلُبُوا، وَالْخِلَابَةُ: الْخَدِيعَةُ.

وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمُصَرَّاةِ الْخِيَارَ ثَلَاثًا:

فَكَانَتِ الدَّلَالَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حِبَّانَ كَانَ أَحْوَجَ النَّاسِ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْخِيَارِ لِمَكَانِهِ مِنْ ضَعْفِ النَّظَرِ وَحَاجَتِهِ إِلَى اسْتِدْرَاكِ الْخَدِيعَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَزِدْ بِالشَّرْطِ عَلَى الثَّلَاثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَايَةُ الْحَدِّ فِي الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَدَّهُ بِالثَّلَاثِ، وَالْحَدُّ يُفِيدُ الْمَنْعَ إِمَّا مِنَ الْمُجَاوَزَةِ أَوْ مِنَ النُّقْصَانِ، فَلَمَّا جَازَ النُّقْصَانُ مِنَ الثَّلَاثِ، عُلِمَ أَنَّهُ حَدٌّ لِلْمَنْعِ مِنْ مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ.

وَلِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَمُوجَبُ الْعَقْدِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ، وَالشَّرْطُ إِذَا كَانَ مُنَافِيًا لِمُوجَبِ الْعَقْدِ أَبْطَلَهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، أَصْلُهُ إِذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>