للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعِلَّةُ الْوَاقِفَةُ مُسْتَفَادَةٌ بَعْدَ الِاسْتِنْبَاطِ فَجَازَ أَنْ يكون علة مَعَ عَدَمِ التَّعَدِّي.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مَنْ نَقْضِ عِلَّتِنَا فِي الطَّرْدِ بِالْفُلُوسِ وَفِي الْعَكْسِ بِالْأَوَانِي فَهُوَ أَنَّ عِلَّتَنَا سَلِيمَةٌ مِنَ النَّقْضِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ لِأَنَّهَا جِنْسُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَالْفُلُوسُ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَنَادِرٌ فَسَلِمَ الطَّرْدُ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَا ينتقض أيضا بالأواني لأننا قلنا جنس الأثمان والأواني مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا فَسَلِمَتِ الْعِلَّةُ مِنَ النَّقْصِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ. وإذ قَدِ انْتَهَى الْكَلَامُ بِنَا إِلَى هَذَا فَسَنَذْكُرُ فَصْلًا مِنَ الْعِلَلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهَا وَيَصِحُّ بِهَا الْقِيَاسُ الَّذِي يَتَضَمَّنُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ قِيَاسَانِ، قِيَاسُ طَرْدٍ وَقِيَاسُ عَكْسٍ. فَأَمَّا قِيَاسُ الطَّرْدِ: فَهُوَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. وَهَذَا أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ حُكْمًا، وَلَيْسَ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْقِيَاسِ فِي الْقَوْلِ بِهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُ الْعَكْسِ: فَهُوَ إِثْبَاتُ حُكْمٍ نَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِاعْتِبَارِ عِلَّتِهِ.

وَهَذَا قَدْ أَثْبَتَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قِيَاسًا وَإِنْ خَالَفَهُمْ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ.

وَقِيَاسُ الطَّرْدِ، لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مَنْ أَصْلٍ، وَفَرْعٍ، وَعِلَّةٍ، وَحُكْمٍ.

فَأَمَّا الْأَصْلُ فَهُوَ الَّذِي يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْفَرْعُ فهو الذي يتعدى إليه الحكم غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا ثَبَتَ الْحُكْمُ. وَقِيلَ الصِّفَةُ الْحَالِيَّةُ لِلْحُكْمِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إِلَى:

الْإِبَاحَةِ، وَالْحَظْرِ، وَالْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالِاسْتِحْبَابِ فَالْبُرُّ فِي الرِّبَا أَصْلٌ، وَالْأُرْزُ فَرْعٌ، وَالْأَكْلُ عِلَّةٌ، وَالرِّبَا حُكْمٌ.

ثُمَّ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا غَيْرَ أَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُودِهِمَا فِي الْأَصْلِ أَسْبَقُ مِنَ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِمَا فِي الْفَرْعِ، وَالْعِلْمُ بِالْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْأَصْلِ أَسْبَقُ مِنَ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُعْلَمُ بَعْدَ الِاسْتِنْبَاطِ لَهَا وَالْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ. وَالْعِلْمُ بِالْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَسْبَقُ مِنَ الْعِلْمِ بحكم الفرع بخلاف الأصل. لأن بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْفَرْعِ، وَبِوُجُودِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ يُعْرَفُ عِلَّةُ الْأَصْلِ. ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَفَادًا مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَصْلًا بِذَاتِهِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ اسْتِنْبَاطُ عِلَّتِهِ وَتَعْلِيقُ حُكْمِهِ عَلَى فُرُوعِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَفَادًا مِنْ قِيَاسٍ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَدْ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ بِمِثْلِ الْعِلَّةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>