للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يقال له العصيفير بِعِشْرِينَ جَمَلًا إِلَى أَجَلٍ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ بِالرَّبَذَةِ. وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَحَّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ، صَحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ، كَالْجِنْسَيْنِ مِنْ حيوان وثياب.

وَلِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ جَازَ دُخُولُ التَّفَاضُلِ فِيهِ جَازَ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ كَالثِّيَابِ الْمَرْوِيَّةِ بِالْهَرَوِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: " الْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ " جِنْسَانِ فَلِذَلِكَ جَازَ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِمَا، قِيلَ: جِنْسُهُمَا وَاحِدٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ، كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَبَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ أَنَّهُ كِتَّانٌ، كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ.

وَلِأَنَّ الرِّبَا قَدْ يَثْبُتُ فِي الْجِنْسِ مِنْ وَجْهَيْنِ: التَّفَاضُلُ، وَالْأَجلُ.

فَلَمَّا كَانَ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسِ مَا لَا رِبَا فِيهِ جَائِزًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ فِي جِنْسِ مَا لَا رِبَا فِيهِ جَائِزًا.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الرِّبَا فَوَجَبَ أَلَّا يُحَرَّمَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رِبًا كَالتَّفَاضُلِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرَيْ سَمُرَةَ، وَجَابِرٍ، فَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى دُخُولِ الْأَجَلِ فِي كِلَا الْعِوَضَيْنَ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا غَيْرُ جَائِزٍ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبُرِّ بِالْبُرِّ فَالْمَعْنَى تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِيهِ، فَذَلِكَ حرمَ الْأَجَل، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ أَحَدُ صِفَتَيِ الرِّبَا كَالْكَيْلِ، فَالْمَعْنَى فِي الْكَيْلِ أَنَّهُ إِذَا عُلِّقَ بِهِ تَحْرِيمُ الْأَجَلِ، اخْتَصَّ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الرِّبَا، وَإِذَا عُلِّقَ بِالْجِنْسِ عَمَّ مَا فِيهِ الرِّبَا وَمَا لَا رِبَا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ مَا فِيهِ الرِّبَا، وَبَيْنَ مَا لَا رِبَا فِيهِ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الربا. والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ أريد

<<  <  ج: ص:  >  >>