للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا كَانَتْ مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ لَكِنْ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولَةً. كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَحَبِّ الْقَرْعِ وَمَا شَاكَلَهَا. فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِيهَا الرِّبَا اعْتِبَارًا بِأَنْفُسِهَا.

وَالثَّانِي: لَا رِبَا فِيهَا اعْتِبَارًا بِأُصُولِهَا.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَدْهَانَ الْمَأْكُولَةَ فِيهَا الرِّبَا عَلَى مَا وَصَفْنَا فَلَا فَصْلَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ إِدْمًا أَوْ دَوَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَكْلِ، كَمَا لَا فَصْلَ فِي غَيْرِ الْأَدْهَانِ مِنَ الْمَأْكُولِ قُوتًا أَوْ دَوَاءً. ثم الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا وَإِنْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَاللُّحْمَانِ، وَالْأَلْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا جِنْسٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَجْنَاسٌ.

وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى فَسَادِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَأَنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا أَنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِخِلَافِ اللُّحِمَانِ وَالْأَلْبَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِأُصُولِ اللُّحِمَانِ وَالْأَلْبَانِ اسْمًا جَامِعًا وَهُوَ الْحَيَوَانُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَدْهَانُ إِذْ لَيْسَ لِأُصُولِهَا اسْمٌ جَامِعٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسًا.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ، فَالزَّيْتُ جِنْسٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَزَيْتُ الْفُجْلِ جِنْسٌ آخَرُ. لِأَنَّ الزَّيْتَ الْمُطْلَقَ مُسْتَخْرَجٌ مِنَ الزَّيْتُونِ، وَالزَّيْتُونُ جِنْسٌ غَيْرُ الْفُجْلِ، ثُمَّ الشَّيْرَجُ جِنْسٌ آخَرُ.

فَأَمَّا دُهْنُ الْوَرْدِ وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ إِذَا قِيلَ فِيهِمَا الرِّبَا فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ، فَهَذَا كُلُّهُ مَعَ الشَّيْرَجِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِنَ السِّمْسِمِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الترتيب.

فإذا كان الجنس واحد حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ.

فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ إِلَّا مُتَمَاثِلًا. وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مَاءً وَمِلْحًا لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ إِلَّا بِهِمَا وَهَذَا يَمْنَعُ مِنَ التَّمَاثُلِ.

وَهَذَا خَطَأٌ. لِأَنَّ الْمَاءَ وَالْمِلْحَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَخْرَجُ الشَّيْرَجُ إِلَّا بِهِمَا، فَيَخْتَلِفَانِ فِي ثِقَلِ السِّمْسِمِ وَهُوَ الْكُسْبُ. إِذْ لَا يَصِحَّ اخْتِلَاطُ الْمَاءِ بِالدُّهْنِ ولا بقاء الماء بين أجزائه. والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يجوز من الجنس الواحد مطبوخ بنيئ مِنْهُ بِحَالٍ إِذَا كَانَ إِنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَلَا مَطْبُوخٌ مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ لِأَنَّ النَّارَ تَنْقُصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>