للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِيهِ مُبْطِلًا لِذَلِكَ الْعَقْدِ كَالسَّلَمِ. فَلَمَّا كَانَ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الْأَثْمَانِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ. وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ: مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ وَهُوَ السَّلَمُ، اقْتَضَى أن يكون الثمن أيضا بتنوع نَوْعَيْنِ: مُعَيَّنٌ بِالْإِشَارَةِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ بِالْإِطْلَاقِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِ بِقَوْلِ الْفَرَّاءِ فَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ تَارَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا وَيَكُونُ تَارَةً عُرُوضًا وَسِلَعًا. فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِي الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ مُبْطِلًا لِتَعْيِينِهَا جَازَ أَلَّا يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مُبْطِلًا لِتَعْيِينِهَا. عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ حُجَّةً.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عن استدلاله بحديث ابن عمر فهو مَحْمُولٌ عَلَى الْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ اعْتِبَارًا بِغَالِبِ أَحْوَالِ التُّجَّارِ فِي بِيَاعَاتِهِمْ، وَعُرْفِهِمُ الْجَارِي فِي تِجَارَاتِهِمْ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ مَا جَازَ إِطْلَاقُ ذِكْرِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَهُوَ أَنَّ إِطْلَاقَ ذِكْرِهِ إِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْدًا غَالِبًا وَعُرْفًا مُعْتَبَرًا، وَلَوْ كَانَ فِي جِنْسٍ مِنَ الْعُرُوضِ نَوْعٌ غَالِبٌ وَعُرْفٌ مُعْتَبَرٌ جَازَ إِطْلَاقُ ذِكْرِهِ كَالنُّقُودِ، وَلَوْ كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً لَمْ يَجُزْ إِطْلَاقُ ذِكْرِهَا كَالْعُرُوضِ. لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إِمَّا بِالْإِشَارَةِ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ، وَإِمَّا بِالْعُرْفِ. سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ تَعْيِينَ النُّقُودِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَجَرَى مَجْرَى تَعْيِينِ الْمِيزَانِ وَالْوَزَّانِ اللَّذَيْنِ لَمَّا لَمْ يُفِيدَا لَمْ يَتَعَيَّنَا بِالْعَقْدِ. فَهُوَ أَنَّ فِي تَعْيِينِ النُّقُودِ لِلنَّاسِ أَغْرَاضًا صَحِيحَةً، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِيهَا يَمْنَعُ مِنْ تَعْيِينِهَا بِالْعَقْدِ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَعْيِينِهَا بِالْقَبْضِ أَوْ فِي الْغَصْبِ.

فَأَمَّا الْمِيزَانُ وَالْوَزَّانُ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مِقْدَارَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِخِلَافِ النقود المملوكة بالعقد.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ وَجَدَ بِالدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ حَبَسَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حَبَسَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ نَقَضَ الْبَيْعَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّرْفَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُعَيَّنٌ وَفِي الذِّمَّةِ. فَأَمَّا مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْتِي مِنْ بَعْدُ. وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُكَ هَذِهِ الْعَشْرَةَ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا. فَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعَ مَا تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ.

فَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّنَانِيرَ بِعَيْنِهَا فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً لَمْ يَخْلُ حَالُ عَيْبِهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>