للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَفْعَلَ، فَأَتَتْ أُمُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَأَلَّى فُلَانٌ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا ".

فَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخْرَجَ الْحَطَّ عَنِ الْمُشْتَرِي مَخْرَجَ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ لَا مَخْرَجَ الْوُجُوبِ وَالْحَتْمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُجْبِرِ الْبَائِعَ عَلَى الْحَطِّ عَنِ الْمُشْتَرِي حَتَّى بَلَغَ الْبَائِعَ ذَلِكَ فَتَطَوَّعَ بِحَطِّهِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى ثَمَرًا فَأُصِيبَ فِيهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ ".

فَلَوْ أَنَّ الْجَوَائِحَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمَا أَحْوَجَهُ إِلَى الصَّدَقَةِ وَجَعَلَ لِغُرَمَائِهِ مَا وَجَدُوهُ وَلَكَانَ يَجْعَلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى بَائِعِهَا وَيَضَعُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الثمرة تصير مقبوضة على رؤوس نَخْلِهَا بِالتَّمْكِينِ وَالتَّخْلِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَيْعَهَا بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً لَمْ يَجُزْ، وَتَلَفُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ.

ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الثِّمَارِ.

فَإِنْ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ مَا دُونَ الثُّلُثِ يَلْقُطُهُ الطَّيْرُ، وَتَنْشُرُهُ النَّحْلَةُ غَالِبًا فضمه الْمُشْتَرِي لِلْعُرْفِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَبِالْجَائِحَةِ.

قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ تَلَفِ قَلِيلِهِ أَوْ كَثِيرِهِ بِعُرْفٍ مُعْتَادٍ أَوْ غَيْرِهِ.

ثُمَّ يُقَالُ لما جَعَلْتَهُ مُحَدَّدًا بِالثُّلُثِ وَهَلَّا حَدَّدْتَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ أو وأكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>