للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّصْرِيَةِ قَدْ تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَحَصَلَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ قِسْطٌ يَسْتَحِقُّ بِنَقْصِهِ الرَّدَّ وَقَدْ يَتَحَرَّرُ مِنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ قِيَاسٌ فَيُقَالُ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ فَاقْتَضَى أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الرَّدَّ كَتَسْوِيدِ الشَّعْرِ.

فَأَمَّا دَفْعُهُمْ لِلْخَبَرِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْحٌ فِيهِ.

وَالثَّانِي: اسْتِعْمَالٌ لَهُ فَأَمَّا قَدْحُهُمْ فِيهِ، فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ قَدْ خَالَفَ الْأُصُولَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ اللَّبَنِ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ قِيمَتِهِ وَوُجُوبَ مِثْلِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيمَةَ تَمْرًا وَهِيَ إِنَّمَا تَكُونُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ جَعَلَهَا مُقَدَّرَةً لَا تَزِيدُ بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ وَلَا تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ، وَمِنْ حُكْمِ الْقِيمَةِ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوَّمِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الرَّدُّ مَعَ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنَ النَّقْصِ، قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ خَبَرُ التَّصْرِيَةِ مُخَالِفًا لِلْأُصُولِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ وَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْأُصُولُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ وَافَقَهُ فَخُذُوا بِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فَاتْرُكُوهُ ".

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ شَرَطَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّ الشَّاةَ تُحْلَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَيَكُونُ هَذَا شَرْطًا يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ هَذَا الشَّرْطِ وَإِبْطَالِهِ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلَاهُ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ بَطَلَ الْبَيْعُ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ عَوَّلُوا عَلَيْهَا فِي دَفْعِنَا عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ فَاسِدَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ سُنَّةً ثَابِتَةً، أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَيُقَالُ هَذَا خَبَرٌ قَدْ رواه جماعة منهم أبي هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَتَلَقَّاهُ الْبَاقُونَ بِالْقَبُولِ وَانْتَشَرَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الصَّحَابَةِ انْتِشَارًا وَاسِعًا صَارَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِأَخْبَارِ التَّوَاتُرِ أَشْبَهَ، عَلَى أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ إِذَا وَرَدَتْ مَوْرِدًا صَحِيحًا لَمْ يَمْنَعِ الشَّرْعُ مِنَ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ فَفِيهَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا وَرَدَ فِي التَّصْرِيَةِ فَهُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِ كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْقِيَاسُ لِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ.

فَأَمَّا التَّصْرِيَةُ فَلَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَاطِلًا لِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا لَجَازَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأُصُولُ بَاطِلَةً بِهَذَا الْأَصْلِ وَإِذَا صَحَّ قَلْبُ هَذَا الْأَصْلِ، وَهَذَا الْقَوْلِ كَانَ مطرحا

<<  <  ج: ص:  >  >>