للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَهَلْ يَكُونُ عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ إِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ لَا يُقْصَدُ غَالِبًا إِلَّا مِنَ النَّعَمِ فَلَمْ يَكُنْ نَقْصُ اللَّبَنِ فِيمَا عَدَا الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ عَيْبًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّ التَّصْرِيَةَ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ لِأَنَّ فِي كَثْرَةِ أَلْبَانِهَا نَفْعًا وَغَرَضًا، فَكَانَ نَقْصُهُ عَيْبًا كَالنَّقْصِ فِي أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوِ اشْتَرَى أَمَةً فَبَانَتْ مُصَرَّاةً، فَأَرَادَ رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بَدَلًا مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِعُمُومِ الْخَبَرِ.

وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَلْبَانَ الْإِمَاءِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلِ الْحَضَانَةُ مَقْصُودَةٌ وَاللَّبَنُ تَبَعٌ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إِنَاثِ الْخَيْلِ، فَأَمَّا إِنَاثُ الْحَمِيرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَلْبَانِهَا، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِهِمْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَعَلَى هَذَا إِذَا رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ صَاعٍ مَعَهَا لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ لِأَلْبَانِهَا.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: هِيَ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ شُرْبُهَا، فَعَلَى هَذَا إِذَا رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ، فَهَلْ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْإِمَاءِ وَإِنَاثِ الْخَيْلِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ كَانَ رَضِيَهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ثَمَنًا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَرُدُّ اللَّبَنَ الْحَادِثَ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَرَضِيَ بِالتَّصْرِيَةِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّهَا بِالْعَيْبِ الْآخَرِ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ثُمَّ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الرِّضَا بِمَا عَلِمَ مِنَ الرَّدِّ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَخْلُ حَالُ عِلْمِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَرِضَاهُ بِهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ وَرَضِيَ بِهَا ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ الْآخَرِ وَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَإِذَا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ الْآخَرِ رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بَدَلًا مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّ عَنِ اللَّبَنِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ عِوَضًا لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَبَعْدَ ضَمَانِهِ وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، أَمَّا إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ وَرِضَاهُ بِهَا مَعَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَفِي جَوَازِ رَدِّهَا بِهِ وَجْهَانِ أَخْرَجَهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي تَقْرِيرِ الصَّفْقَةِ أَحَدُهُمَا يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بَدَلًا مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ تَفْرِيقَ الصفقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>