للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَائِعَ إِنْ بَذَلَ أُجْرَةَ النَّسِيجِ كَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الْغَزْلِ مَنْسُوجًا فَإِنْ أَبَى لَزِمَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ زِيَادَةُ عَمَلٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ.

فَصْلٌ:

وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخَذَ بِالْمِائَةِ ثَوْبًا، ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ على البائع بالماية وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّوْبِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِائَةُ دُونَ الثَّوْبِ وَلَكِنْ لَوْ بَانَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا رَجَعَ بِالثَّوْبِ دُونَ الْمِائَةِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانِ الثَّمَنِ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا رَفَعَ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالْمِائَةِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَطَعَ الْعَقْدَ وَلَيْسَ لَهُ بِرَافِعٍ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا لِأَنَّ مَوْجُودًا فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلنِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ وَجَدَا بِهَا عَيْبًا فَإِنْ رَدَّاهَا مَعًا كَانَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَإِنْ أَمْسَكَاهَا مَعًا كَانَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا رَدَّ حِصَّتِهِ وَأَرَادَ الْآخَرُ إِمْسَاكَ حِصَّتِهِ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو حنيفة: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ حَتَّى يُرَدَّا مَعًا وَيُمْسِكَا مَعًا.

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ يَدِ بَايِعِهِ صَفْقَةً فَلَمْ يَجُزْ تَبْعِيضُهَا عَلَيْهِ وَبَعْضُ الصَّفْقَةِ كَالْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ قَالَ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ مِنَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ يَجْرِي عَلَى ابْتِيَاعِهِمَا حُكْمُ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا قَبُولُ الْعَقْدِ دُونَ الْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ بَدَلٌ وَاحِدٌ يَضْمَنُهُ ثَمْنٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ لمشترٍ وَاحِدٍ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ رَدِّ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَقْدَيْنِ.

فَأَمَّا الدَّلِيلُ على جواز أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَهُوَ أَنَّهُ رَدَّ بِالْعَيْبِ جَمِيعَ مَا لَزِمَهُ ثَمَنُهُ بِالْعَقْدِ فَجَازَ لَهُ الرَّدُّ كَالْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَقْدَيْنِ فَهُوَ أَنَّهُ عَقْدٌ اجْتَمَعَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَاقِدَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي حكم العقدين كالمشتري الواحد من بايعين، وَلِأَنَّهُمَا لَوِ اشْتَرَيَا شِقْصًا تَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ لَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ كَانَتْ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ وَلَوْ تَصَارَفَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَقْبِضِ الْآخَرُ.

جَازَتْ فِي حِصَّةِ مَنْ قَبَضَ وَبَطَلَتْ فِي حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ كَانَتْ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَبَطَلَ جَمِيعُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا صَفْقَتَانِ وَجَازَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبُولُ دُونَ الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>