للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَحَالُفَهُمَا فِي الْبَيْعِ يَرُدُّ الْمَبِيعَ إِلَى يَدِ بَائِعِهِ فَبُدِئَ بِإِحْلَافِهِ وَتَحَالُفُهُمَا فِي الْمَهْرِ لَا يَرْفَعُ مِلْكَ الزَّوْجِ عَنِ الْبُضْعِ وَهُوَ بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَى مِلْكِهِ فَبُدِئَ بِإِحْلَافِهِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ إِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى تَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي جَازَ وَإِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى تَقْدِيمِ الْبَائِعِ جَازَ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا طَرِيقَةُ الِاجْتِهَادِ دُونَ النَّصِّ فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ الِاجْتِهَادُ إِلَى تَقْدِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ كَاللِّعَانِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَقْدِيمِ الزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ عَلَى مَا شَرَحْنَا مِنَ الْمَذْهَبِ فَهَلْ تَقْدِيمُهُ فِي الْيَمِينِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى إِلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ قَدَّمَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُؤَدِّيَهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى طَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنْ قَدَّمَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِيَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ حُكِمَ لَهُ (قَالَ) وَإِذَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَمُخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ وَوَجَدْنَا الْفَائِتَ فِي كُلِّ مَا نَقَضَ فِيهِ الْقَائِمُ مُنْتَقَضًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ فَائِتًا كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ (قال المزني) يقول صارا في معنى من لم يتبايع فيأخذ البائع عبده قائما أو قيمته متلفا (قال) فرجع محمد بن الحسن إلى ما قلنا وخالف صاحبيه وقال لا أعلم ما قالا إلا خلاف القياس والسنة (قال) والمعقول إذا تناقضاه والسلعة قائمة تناقضاه وهي فائتة لأن الحكم أن يفسخ العقد فقائم وفائت سواء ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبِدَايَةَ فِي تَحَالُفِهِمَا بِيَمِينِ الْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا أَوْ يَمِينَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً تَجَمَعُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ تَصْدِيقَ قَوْلِهِ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَاحْتَاجَ إِلَى يَمِينٍ وَاحِدَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ يَمِينًا أُولَى لِلنَّفْيِ وَيَمِينًا ثَانِيَةً لِلْإِثْبَاتِ كَالْمُتَدَاعِيَيْنِ دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا إِذَا تَحَالَفَا عَلَيْهَا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلْمُدَّعِي قَبْلَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَتِهَا هَلْ يَتَقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ فِيهَا عَلَى النَّفْيِ أَوِ النَّفْيُ عَلَى الْإِثْبَاتِ. عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي يَمِينِهِ بِالْإِثْبَاتِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ فَيَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>