للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَائِعُ: وَاللَّهِ لَقَدْ بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَبِعْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ أَشْتَرِه بِأَلْفٍ. قَالَ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ تَبَعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَقْصُودِ قَبْلَ التَّبَعِ، كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي اللِّعَانِ يُبْدَأُ فِيهَا بِالْإِثْبَاتِ قَبْلَ النَّفْيِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالنَّفْيِ ثُمَّ الْإِثْبَاتِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَقَدْ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: وَاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسِمِائَة لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَنَزَّلُ فِي إِحْلَافِهِ مَنْزِلَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَّعِي فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ يَمِينِهِ النَّفْيَ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَآخِرُ يَمِينِهِ الْإِثْبَاتَ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْمُدَّعِي.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ إِلَّا بِأَلْفٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُهُ إِلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ. قَالَ لِأَنَّ هَذَا أَسْرَعُ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠] . إِنَّهُ سُرْعَةُ الْقَضَاءِ. فَهَذَا اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي صِفَةِ يَمِينِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ لكل واحد منهما أن يحلف يمينا واحدة.

فأما إذا قيل بالوجه الثاني إِنَّ حَظَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَيْنِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى بِالنَّفْيِ وَفِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِالْإِثْبَاتِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ ثَانِيَةً فَيَقُولُ وَاللَّهِ لَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَةِ أيما نما فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إِذَا حَلَّفَ أَحَدَهُمَا أَنْ لَا يُحَلِّفَ الْآخَرَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ بِمَا حَلَّفَ عَلَيْهِ صَاحِبَهُ فَإِنْ رَضِيَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُحَلِّفْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَحْلَفَهُ، فَإِنْ بَدَأَ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَتَرْضَى أَنْ تَقْبَلَهُ بِالْأَلْفِ الَّتِي حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يُحَلِّفْ وَإِنْ قَالَ لا أحلفه، وَلَوْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِ الْمُشْتَرِي قَالَ لِلْبَائِعِ أترضى أن تمضي البيع بخمسمائة الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَإِنْ قَالَ لَا أَحْلَفَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهُ يُحَلِّفُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَيْنِ فَأَحْلَفَ الْبَائِعَ يَمِينًا أَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَهُ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَبُولَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا عَادَ الْبَائِعُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ يَمِينًا حِينَئِذٍ عَرَضَ الْمَبِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ يَمِينِهِ الثَّانِيَةِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ عَرْضَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يَمِينِ الْبَائِعِ عَلَى إِثْبَاتِ مَا ادَّعَى وَيَمِينُهُ الْأُولَى لِلنَّفْيِ لَا لِلْإِثْبَاتِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

حَالٌ يَحْلِفَانِ مَعًا، وَحَالٌ يَنْكُلَانِ مَعًا، وَحَالٌ يَحْلِفُ أَحَدُهُمَا وَيَنْكُلُ الْآخَرُ. فَإِنْ نَكَلَا مَعًا تَرَكَهُمَا وَلَمْ يَحْكُمْ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَطَعَ الخصومة بينهما، وإن حلف أحدهما ونكل

<<  <  ج: ص:  >  >>