للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ عَيَّنَا ابْتِدَاءَهُ وَلَمْ يُعَيِّنَا انْتِهَاءَهُ فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْأَرْضِ.

فَأَمَّا بَيْعُ الثَّوْبِ عَدَدًا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ رِزْمَةَ ثِيَابٍ عَدَدًا كُلَّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَلَوْ بَاعَهُ الرِّزْمَةَ كُلَّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ وَكَانَ فِيهَا تِسْعَةُ أَثْوَابٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِسْطِ مِنَ الثَّمَنِ.

وَلَوْ زَادَتْ ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إِذَا بِيعَا مُذَارَعَةً. لِأَنَّ الثِّيَابَ قَدْ يَخْتَلِفُ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الزَّائِدُ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهَا وَمُسَاوِيًا لِبَاقِيهَا وَمَا زَادَ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْأَرْضِ فَمُتَقَارِبٌ لِبَاقِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهِ. وَلَوْ بَاعَهُ ثوب واحد مِنَ الرِّزْمَةِ بِدِينَارٍ فَإِنْ عَيَّنَهُ عَلَيْهِ صَحَّ البيع فيه، لَمْ يُعَيِّنْهُ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الأثواب ولو ابتاع رزمة ثياب وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ جَازَ إِذَا شَاهَدَ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْهَا كَالصُّبْرَةِ وَالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوِ ابْتَاعَ نِصْفَهَا أَوْ رُبْعَهَا مَشَاعًا صح البيع.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ لَا كَيْلًا وَلَا جُزَافًا. وَأَجَازَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بَيْعَهُ فِي الزَّمَانِ الْقَرِيبِ. لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ مَعَ الشَّاةِ جَازَ بَيْعُهُ مُفْرَدًا عَنْهَا. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْلَبَنِ فِي الضِّرْعِ وَالُصُوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَقَدْ روي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ غَيْرُ مُشَاهَدٍ وَلَا مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحْلَبُ فِي زَمَانٍ يَخْتَلِطُ بِهِ لَبَنٌ حَادِثٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَيَصِيرُ تَسْلِيمُهُ مُتَعَذَّرًا وَمَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ بَطَلَ بَيْعُهُ.

فَأَمَّا بَيْعُهُ فِي الشَّاةِ تَبَعًا لَهَا فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَهُوَ تَبَعٌ لِمَعْلُومٍ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الْبِنَاءِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا مَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ مِنَ الْأَلْبَانِ وَيُحَرَّمُ: فَجُمْلَةُ الْأَلْبَانِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ وَهُوَ لَبَنُ كُلِّ حَيَوَانٍ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ، وَقِسْمٌ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ لَبَنُ كُلِّ حَيَوَانٍ كَانَ نَجِسًا فِي حَيَاتِهِ، وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ لَبَنُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَهُوَ طَاهِرٌ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نَجَاسَتِهِ وَتَحْرِيمِ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَجِسٌ كَلَحْمِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>