للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ "، وَلَوْ بَطَلَ الْبَيْعُ لَامْتَنَعَ الرِّزْقُ فَأَمَّا إِنْ عَدِمَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا:

فَإِنْ عَدِمَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: فَإِنْ كَانَ لِلْبَدَوِيِّ عَزْمٌ عَلَى الْمُقَامِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْحَضَرِيِّ أَنْ يَبِيعَ لَهُ لِأَنَّ الْبَدَوِيَّ قَدْ كَانَ يَحْبِسُ مَتَاعَهُ بِمُقَامِهِ لَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ الْحَاضِرُ لَهُ.

وَإِنْ عَدِمَ الشَّرْطُ الثَّانِي وَأَرَادَ الْبَدَوِيُّ تَأْخِيرَ مَتَاعِهِ وَالِانْتِظَارَ بِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لَهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا صُنْعَ لَهُ في الحبس، ولأن البدوي لو لم يكن من ذلك لقطع الجلب.

وإن عَدِمَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَكَانَ الْبَدَوِيُّ هُوَ الَّذِي سَأَلَ الْحَاضِرَ فِعْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الحاضر مَتَاعه لِمَا ذَكَرْنَا.

وَإِنْ عَدِمَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ وَكَانَ الْبَلَدُ وَاسِعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ بَيْعُهُ عَلَى الْحَاضِرِ لِعُمُومِ النَّهْيِ.

وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ حَبْسَ الْحَاضِرِ لَهُ وَتَأْخِيرَ بَيْعِهِ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَلَا يَمْنَعُهُمُ الرِّزْقَ وَلَا فَرْقَ فِي النَّهْيِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْبَادِيَةِ وَبَيْنَ الْأَكْرَادِ فِي جَلَبِ الْأَمْتِعَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ السَّوَادِ وَالرُّسْتَاقِ وَأَهْلِ الْبَحَارِ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ فِي تَرَبُّصِ أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَمْتِعَتِهِمْ. (والله أعلم بالصواب) .

[مسألة:]

وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا تتلقوا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ " (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَسَمِعْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أن يقدم السوق " (قال) وبهذا نأخذ إن كان ثابتا وهذا دليل أن البيع جائز غير أن لصاحبها الخيار بعد قدوم السوق لأن شراءها من البدوي قبل أن يصير إلى موضع المتساومين من الغرر بوجه النقص من الثمن فله الخيار ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " لا تلقوا الركبان للبيع ".

قال الماوردي: رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا تَلَقَّوا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا فَإِذَا أَتَى بَائِعُهُ السُّوقَ فَهُوَ بالخيار.

فعلى هَذَانِ الْخَبَرَانِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِابْتِيَاعِ أَمْتِعَتِهِمْ قَبْلَ قُدُومِ الْبَلَدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>