للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ دَيْنٌ حَالَ فَسَأَلَ تَأْجِيلَهُ فَأَجَّلَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْأَجَلُ وَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حَالًا.

وَلَوْ وَفَّى بِوَعْدِهِ وَأَجَّلَهُ بِهِ كَانَ حَسَنًا.

وَقَالَ مَالِكٌ: مَتَى أَنْظَرَهُ بِالدَّيْنِ وَأَجَّلَهُ لَهُ مُدَّةً لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ سَوَاءً كَانَ من ثمن مبيع أو قيمة متلف أَوْ غَيْره، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الهبة تلزم العقد دُونَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ هُنَا الْأَجَلُ يَلْزَمُ بِالْوَعْدِ وَيَصِيرُ كَالْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ الدَّيْنُ قِيمَةَ مُتْلَفٍ لَا مَدْخَلَ لِلْأَجَلٍ فِي أَصْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَجَلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ قَدْ يَصِحُّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِي أَصْلِهِ لَزِمَهُ تَأْجِيلُهُ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ مِنْ خِيَارٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فِي الثَّمَنِ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَكَرَاهُ حِينَ الْبَيْعِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِالِافْتِرَاقِ لَا يَلْحَقُ الْعَقْدَ أَجَلٌ وَلَا خِيَارٌ وَلَا زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ وَلَا نُقْصَانٌ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَلْحَقَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.

فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ مَا شَرَطَا مِنَ الْأَجَلِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَزِمَ بِمُقَارَنَةِ الْعَقْدِ لَزِمَ إِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ كَالرَّهْنِ. وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يملكان فيها الفسخ يملكان فيها شَرْطَ الْأَجَلِ أَصْلُهُ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] .

فَلَوْ صَحَّ أَنْ يُغَيِّرَ حُكْمَ الْعَقْدِ لَمَا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِمَا يُقَدِّمُ مِنَ الْعَقْدِ.

وَلِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ مُعَجَّلًا فلم يعد التأخير مُؤَجَّلًا قِيَاسًا عَلَى قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدِ اسْتَقَرَّ لُزُومَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْحَقَهُ مَا يُغَيِّرُ أَصْلَهُ إِذَا كَانَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ أَوْ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا زِيدَ فِي الثَّمَنِ لَاحِقًا بِالْعَقْدِ لَكَانَ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ رَافِعًا لِجَمِيعِ الْعَقْدِ، وَجَازَ إِذَا زَادَ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ مَا قَدِ اسْتَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الشَّفِيعِ.

وَفِي إِبْطَالِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي هَذَيْنِ إِلَّا عَلَى مَا اتَّفَقْنَا دَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِمِثْلِهِ فِيمَا اخْتَلَفْنَا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَمُعَارِضٌ أَوْ مَخْصُوصٌ أَوْ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى الاستحباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>