للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِقْرَارَهُ يُنَفَّذُ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ. وَيَتَعَلَّقُ الْغُرْمُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ بَعْدَ قَطْعِهِ فَيُؤَدِّي فِي سَرِقَتِهِ إِلَّا أَنْ يَخْتَارَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ التُّهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ تَنْتَفِي عَنْهُ بِوُجُوبِ الْقَطْعِ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ، إِذَا انْتَفَتْ عَنْهُ التُّهْمَةُ لَزِمَ وَإِنْ أَوْجَبَ مَالًا كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ يَنْفُذُ إِقْرَارُهُ فِيهَا لِاسْتِحْقَاقِ الْقَوَدِ بِهَا، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَالِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنِ الْقَوَدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِقْرَارَهُ بِالْغُرْمِ لَا يُقْبَلُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ يَضْمَنُ شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَطْعًا وَغُرْمًا، وَقَدْ يَصِحُّ انْفِرَادُ الْغُرْمِ عَنِ الْقَطْعِ، فَلَمَّا لَمْ يُتَّهَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقَطْعُ قَطَعْنَاهُ، وَلَمَّا اتُّهِمَ فِي الْآخَرِ وَهُوَ الْغُرْمُ رَدَدْنَاهُ. وَلَيْسَ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ أَحَدُ مُوجِبِهَا عَنْهَا.

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَا أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ.

وَأَمَّا نُفُوذُ إِقْرَارِهِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ: فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِهِ لَا يُنَفِّذُ إِقْرَارَهُ فِيهِ فَالْعَيْنُ الَّتِي بِيَدِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَفِّذَ إِقْرَارَهُ فِيهَا عَلَى سَيِّدِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِقْرَارَهُ فِي غُرْمِ الْمُسْتَهْلِكِ نَافِذٌ عَلَى سَيِّدِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ هَلْ يُنَفَّذُ إِقْرَارُهُ فِيهَا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ إِقْرَارَهُ فِيهَا نَافِذٌ وَقَوْلُهُ فِي سَرِقَتِهَا مَقْبُولٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بن سريج؛ لأنه لَمَّا قَبِلَ إِقْرَارَهُ فِي الْعُمُومِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ وإن كَانَتِ الرَّقَبَةُ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ قَبِلَ إِقْرَارَهُ فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدًا لِسَيِّدِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ إِقْرَارَهُ بِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، لِأَنَّ يَدَهُ يَدٌ لِسَيِّدِهِ فَصَارَ إِقْرَارُهُ بها كإقراره بِمَا فِي يَدِ سَيِّدِهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ نُفُوذِ إِقْرَارِهِ فِي الْغُرْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُنَفِّذَ فِي الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ أَنَّ الْعَيْنَ رُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَضْعَافًا فَيُفْضِي إِقْرَارُهُ إِلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَ بِهِ مِلْكَ سَيِّدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغُرْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُهَا وَهُوَ مَحْدُودٌ بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَيْنَ تُرَدُّ عَلَى السَّيِّدِ إِذَا ادعاها ويتعلق غرم قيمتها في رقبته استدرارا لِمَا يُخَافُ مِنْ وُفُورِ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَاسْتِيعَابِ مال السيد فيتعلق غُرْمُهَا بِرَقَبَتِهِ حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَهَا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَا أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ عَيْنًا فِي يَدِ سَيِّدِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِيمَا بِيَدِ سَيِّدِهِ بَلْ يَجِبُ غُرْمُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ.

وَقَالَ أَبُو حنيفة تُسْتَرَدُّ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ لِوُجُوبِ قَطْعِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ إِنَّمَا يَجِبُ لِثُبُوتِ سَرِقَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>