للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَلَا إِنْكَارٍ، فَهَذَا إِنَّمَا يَفْعَلُهُ جهال الناس وأرذالهم فلو لم يَكُنْ فِعْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.

عَلَى أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنَ الْأَفْعَالِ لَا يَدُلُّ عِنْدَ أبي حنيفة عَلَى الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ يُعْطَونَ أُجْرَةَ الْمُعَلِّمِ يَفْعَلُهُ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ وَيَأْخُذُهُ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ أَخْذِ أُجْرَةِ التعليم فكيف يجعل ها هنا فِعْلُ جُهَّالِ النَّاسِ حُجَّةً عَلَيْنَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ بِعِلَّةٍ أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَمُنْتَقِضٌ بِالْحُرِّ وَالْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ. فَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ.

وَأَمَّا مَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَجَاوَرَتْهُ فَنَجِسَ بِهَا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: ضَرْبٌ يَصِحُّ غَسْلُهُ، وَضَرْبٌ لَا يَصِحُّ غَسْلُهُ، وَضَرْبٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّةِ غَسْلِهِ.

فَأَمَّا مَا يَصِحُّ غَسْلُهُ كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي وَالْحُبُوبِ وَجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ الَّتِي لَا تَذُوبُ بِمُلَاقَاةِ الْمَاءِ فَغَسْلُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ مُمْكِنٌ وَبَيْعُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ طَاهِرَةٌ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا مُمْكِنٌ وَإِزَالَةُ مَا جَاوَرَهَا مِنَ النَّجَاسَةِ مُتَأَتٍّ. وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ غَسْلُهُ كَالسُّكَّرِ وَالْعَسَلِ وَالدُّهْنِ وَسَائِرِ مَا إِذَا لَاقَاهُ الْمَاءُ ذَابَ فِيهِ، وَالْخَلُّ، فَغَسْلُهُ لَا يُمْكِنُ وَبَيْعُهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ بَاطِلٌ وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ حُكْمُ مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ.

وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي صِحَّةِ غسله: فالأدهان كلها اختلفوا فِي جَوَازِ غَسْلِهَا.

فَمَذْهَبَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ غَسْلَهَا لَا يَجُوزُ وَلَا يُمْكِنُ، وَبَيْعُهَا إِذَا نَجِسَتْ بَاطِلٌ.

وَقَالَ أبو حنيفة: غَسْلُهَا مُمْكِنٌ وَبَيْعُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ جَائِزٌ. اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا مَعَهَا كَالثَّوْبِ.

وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالدُّهْنِ الطَّاهِرِ.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَنِ الْفَأرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ.

فَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ لَمَنَعَ مِنْ إِرَاقَتِهِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ الْمَأْمُورِ بِإِرَاقَتِهِ.

وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ مَائِعٌ نَجِسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْخَمْرِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الطَّاهِرِ فَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا يَمْنَعُ مِنْ تَسَاوِي حُكْمِهِمَا. فَأَمَّا ادِّعَاؤُهُمْ إِمْكَانَ الْغُسْلِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَعَذُّرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>