للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُجُودُهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ شَرْطًا؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ غَرَرٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُحْرَسَ مما يخاف حدوثه من الغرر حتى لا يكثر فيه فيبطل ذلك وَعَدَمُ ذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَإِثْبَاتِهِ غَرَرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُحْرَسَ مِنَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ جَهَالَةَ الشَّيْءِ أَيْسَرُ مِنْ عَدَمِهِ فَلَمَّا بَطَلَ السَّلَمُ بِجَهَالَتِهِ وقت العقد فأولى أن يبطل بعدمه وقت الْعَقْدِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ والثلاث فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ معلوم وأجل مَعْلُومٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثِّمَارَ إِنَّمَا تُوجَدُ فِي وَقْتٍ مِنَ السَّنَةِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَجَازَ السَّلَمَ فِيهِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَهَذِهِ مُدَّةٌ يَعْدَمُ الرُّطَبُ فِي أَكْثَرِهَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَإِنْ عَدِمَ قَبْلَ أَجْلِهِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلسَّلَمِ عَقْدًا لَمْ يَكُنْ وَجُودُهُ فِيهِ شَرْطًا قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْأَجَلِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ مُعْتَبَرًا كَالْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ قَبْضَ السَّلَمِ يَفْتَقِرُ إِلَى زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْقَبْضِ مُعْتَبَرًا وَجَبَ أَلَّا يَكُونَ وُجُودُهُ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْقَبْضِ مُعْتَبَرًا؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُثَمَّنِ فِي بُيُوعِ الصِّفَاتِ فَلَمَّا صَحَّ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مِنْ قَبْلُ صَحَّ فِي بُيُوعِ الصِّفَاتِ أَنْ يَكُونَ الْمُثَمَّنُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مِنْ قَبْلُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا تُسْلِفُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مَجْهُولٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَى حَدِيثِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى بُيُوعِ الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا نَهْيُ حَكِيمٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ مِنَ الْأَعْيَانِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ حَلَّ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ فَهَذَا اعْتِبَارٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ تُحْمَلُ عَلَى السَّلَامَةِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ كون مِثْلُ هَذَا مُعْتَبَرًا لَبَطَلَتْ أَكْثَرُ الْعُقُودِ لِجَوَازِ تلفها وحدوث مِنْ صِحَّتِهَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْمَحَلِّ أَجَلًا مُسْتَحَقًّا لَكَانَ مَجْهُولًا، وَلَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ وَفِي تَرْكِ اعْتِبَارِ هَذَا دَلِيلٌ على ترك اعتبار ما قالوا.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَالِكٍ بِالطَّرَفِ الثَّانِي فَإِنَّمَا كَانَ وُجُودُهُ فِيهِ مُعْتَبَرًا لِاسْتِحْقَاقِ قَبْضِهِ فِيهِ وَلَمْ يكن وجوده وقت العقد معتبر لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَقْدَ أَقْوَى مِنْ حَالِ الْقَبْضِ فَهَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ فَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَحَالُ الْقَبْضِ وَالْمَحَلِّ أَقْوَى مِنْ حَالِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْدُومًا وَقْتَ الْمَحَلِّ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ غَرَرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْرُوسًا مِنَ الْغَرَرِ الْمَظْنُونِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>