للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصار معنى قوله: " فتيمموا " أَيِ اقْصُدُوا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ فَأَتُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَأَمَّا الصَّعِيدُ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْمٌ لِلتُّرَابِ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " طَيِّبًا " فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَعْنِي حَلَالًا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ.

وَالثَّانِي: يَعْنِي طَاهِرًا، وَهُوَ أَشْبَهُ، ثُمَّ قَالَ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأيْدِيكُمْ مِنْهُ} فَاقْتَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، دُونَ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ، لِأَنَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بالتراب مضاهاة لأرباب المصائب والرحلان لَا يَخْلُو التُّرَابُ مِنْهُمَا فِي السَّفَرِ غَالِبًا.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَعْضَاءَ التَّيَمُّمِ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَجْهِهِ فَيَسْتَوْعِبَ مَسْحَ جَمِيعِهِ، فَإِنْ تَرَكَ مَوْضِعًا مِنْهُ كَانَ يَغْسِلُهُ بالماء في الوضوء ليمسحه بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ قَلَّ.

(فَصْلٌ)

: ثُمَّ يَمْسَحُ يَدَيْهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: مَا حُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنْ يَمْسَحَهُمَا إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ.

وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَنْصُوصَاتُ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَمْسَحُ الذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة وَصَاحِبَاهُ.

وَالثَّالِثُ: مَا قَالَهُ مَالِكٌ: أَنَّهُ يَمْسَحُ الْكَفَّيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ عِكْرِمَةُ وَمَكْحُولٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَرَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَى الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي الْقَدِيمِ كَانَ يَجْعَلُهُ مَوْقُوفًا عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَمَنْصُوصُهُ فِي الْقَدِيمِ كُلِّهِ خِلَافُ هَذَا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>