للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَبَضَ الْمُسَلِّمُ مَكَانَ كَيْلٍ وَزْنًا أَوْ مَكَانَ وَزْنٍ كَيْلًا لَمْ يَتِمَّ الْقَبْضُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُسَلِّمِ بَيْعُ ذَلِكَ حَتَّى يَكْتَالَ مِنْهُ الْمَكِيلُ، وَيَزِنَ مِنْهُ الْمَوْزُونُ لَكِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَنْ عَقْدٍ مُعَاوَضَةً، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ بَعْدَ التَّلَفِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ سَلَمِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالتَّلَفِ مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَوْ جَعَلَ قَصَاصًا لَكَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا تَلِفَ عَنْ يَدِهِ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ، بِمَا أَسْلَمَ عَلَى مِثْلِ صِفَتَهِ.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَ جِنْسِ غَيْرِهِ فَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي حِنْطَةٍ فَيَأْخُذُ بَدَلَهَا شَعِيرًا أَوْ فِي تَمْرٍ فَيَأْخُذُ بَدَلَهُ زَبِيبًا أَوْ فِي غَنَمٍ فَيَأْخُذُ بَدَلَهَا بَقَرًا فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَدَلَ عَنِ الْجِنْسِ إِلَى غَيْرِهِ صَارَ مُعَاوِضًا عَلَيْهِ وَبَائِعًا لِلسَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ فَيَأْخُذُ بَدَلَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِثْلَ أَنْ يُسْلِمَ فِي تَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَيَأْخُذَ مَكَانَهُ تَمْرًا مَعْقِلِيًّا أَوْ يُسْلِمَ فِي غَنَمٍ ضَأْنٍ فَيَأْخُذَ بَدَلَهَا مِعْزًى فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ مُخَالِفٌ كَالْجِنْسِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْجِنْسِ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ النَّوْعِ إِلَى غَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَجْمَعُهُمَا وَإِنْ تَنَوَّعَا وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّوْعَيْنِ إِذَا جَمَعَهُمَا الْجِنْسُ، وَجَبَ ضَمُّهُمَا فِي الزَّكَاةِ، وَجَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا حُكْمُ الْآخَرِ، وَخَالَفَ الْجِنْسَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى جِنْسًا فَبَانَ غَيْرُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبَ قُطْنٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَوْبُ كَتَّانٍ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَنَوَّعَا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ خَيْرًا مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أُجْبِرَ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَأَصْلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَمَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وَمَا أحدث الناس رد إلى الأصل وَلَوْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ تِبْرًا أَوْ عَرَضًا غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ وَلَا ذِي رُوحٍ أَجْبَرْتَهُ عَلَى أَخْذِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا فَقَدْ يُرِيدُ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ جَدِيدًا وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَلَا غِنَى بِهِ عَنِ الْعَلْفِ أَوِ الرَّعْيِ فلا نجبره عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مُؤْنَةٌ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْتِهِ فَعَلَى هذا، هذا الباب كله وقياسه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ غَيْرَ أَنَّ الْمُزَنِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>