للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ، وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِ، فَالتَّدْبِيرُ تَصَرُّفٌ يُخَالِفُهُ عَقْدُ الرَّهْنِ فَأَبْطَلَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ، لِاسْتِوَاءِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَبَعْدَهُ، فَلَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ أَوْ رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ وأقبضه بطل رهن الأول بزوال مِلْكِهِ بِالْهِبَةِ وَانْعِدَامِ تَصَرُّفِهِ بِالرَّهْنِ، وَلَكِنْ لَوْ وَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ رَهَنَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ، كَانَ فِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ كَالتَّدْبِيرِ.

وَأَمَّا إِذَا آجَرَهُ فَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُؤَاجِرَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ يَبْطُلْ بِإِجَارَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ: وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُ الرَّهْنِ. لِأَنَّهُ لَمَّا لم يبطل الرهن بتزويجها بعد القبض ولم يَبْطُلْ بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ وَطِئَهَا الرَّاهِنُ فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ وَطْئِهِ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ. كَانَ وطؤه فسخا للبيع فهلا كان وطوء الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلًا لِلرَّهْنِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ وَطْءَ الْبَائِعِ يُنَافِي الْبَيْعَ، فَكَانَ فَسْخًا وَلَيْسَ وَطْءُ الرَّاهِنِ يُنَافِي الرَّهْنَ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْهُ بحق الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ جَازَ. وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ الْوَطْءُ مُنَافِيًا له فلم يكن فسخا.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ وَقَبْضُهُ مِنْ مُشَاعٍ وَغَيْرِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: شَرْحُ الْمَذْهَبِ فِيهَا.

وَالثَّانِي: ذِكْرُ الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا.

فَأَمَّا شَرْحُ الْمَذْهَبِ فَقَوْلُهُ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ. فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرْوِي ذَلِكَ: وَمَنْ جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ، فَيَجْعَلُ ذَلِكَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا مَعْنَى لِلرَّهْنِ حَتَّى يَكُونَ مَقْبُوضًا مِنْ جَائِزِ الْأَمْرِ حِينَ رُهِنَ، وَحِينَ أُقْبِضَ. وَمَنْ جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ. فَيَجْعَلُ الْجَائِزَ الْأَمْرِ فِي الرَّهْنِ، مَنْ جَازَ بَيْعُهُ، وَمَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ مِثْلُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَمِرًّا.

وَعَلَى الْقِيَاسِ مُطَّرِدًا. فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ.

قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ مُشَاعٍ وَغَيْرِهِ - يَعْنِي فِي مشاع وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>