للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ.

وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا، كَانَ رَهْنُهُ جَائِزًا وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ مِنَ الْأَجْنَاشِ أَوِ الْأَنْجَاشِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ وَالطَّعَامِ الرَّطْبِ الْمَرْهُونِ إِلَى أَجَلٍ يَفْسَدُ فِيهِ.

وَقَدْ يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْأَمَةِ دُونَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فَلِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِذَلِكَ مَا أَفْصَحَ بِهِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ رَهْنِ الْمُشَاعِ رَدًّا عَلَى أبي حنيفة حَيْثُ أَجَازَ بَيْعَ الْمُشَاعِ وَمَنَعَ مِنْ رَهْنِهِ فَقَالَ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ مِنْ مُشَاعٍ وَغَيْرِهِ. فَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَلَا.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ غَالِبَ الْأَشْيَاءِ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ وَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، لَكِنَّ الْغَالِبَ بِخِلَافِهِ، فَجَعَلَ قَائِلُ هَذَا الْجَوَابِ جُمْلَةَ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ.

ضَرْبٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ كَالْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ.

وَضَرْبٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا رَهْنُهُ كَالْأَوْقَافِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ.

وَضَرْبٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عَلَى أحد القولين كالمدبر والمعتق نصفه.

وَضَرْبٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيَجُوزُ رَهْنُهُ، كَالْأَمَةِ دُونَ وَلَدِهَا، وَالثَّمَرَةِ مُطْلَقًا دُونَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى صِفَتِهِ وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ قِيَاسًا مُطَّرِدًا، وَاعْتِبَارًا صَحِيحًا، وَمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ رَهْنِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْأَمَةِ ذَاتِ الْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ مُطْلَقًا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ يَجُوزُ، فَتُبَاعُ الْأَمَةُ مَعَ وَلَدِهَا، وَالثَّمَرَةُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا فَصَارَ بَيْعُ ذَلِكَ جَائِزًا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ وَأَحْوَالُهُ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ نِصْفُهُ. فَفِي جَوَازِ رَهْنِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ نِصْفُهُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا قَدِ اسْتَمَرَّ الْجَوَابُ، وَسَقَطَ السُّؤَالُ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ الْبَائِعُ فَصَارَ رَهْنُهُ جَائِزًا وَإِنْ كَانَ فِي أَحْوَالِ مُرْتَهَنِهِ مُخْتَلِفًا فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَتَفْسِيرِ كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>