للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَهْنٌ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ، وَقَبْضُهُ حُكْمٌ مُسْتَدَامٌ، وَخُرُوجُهُ فِي يَوْمِ الْمُهَايَأَةِ عَنْ يَدِهِ لَا يُزِيلُ حُكْمَ قَبْضِهِ عَنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِ غَيْرِهِ. فَصَارَ كَمَنْ رَهَنَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدِ مُرْتَهِنِهِ يَوْمًا وَعَلَى يَدِ عَدْلٍ يَوْمًا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ وَكَانَ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أُرْهِنُكَ يوما واسترجعه منك يوما.

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إِلَى وَارِثِهِ ومنعه ".

قال الماوردي: موت الراهن أو المرتهن بعد العقد وقبل القبض إِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَقَبْلَ قَبْضِهِ: فَظَاهِرُ نَصِّهِ هَاهُنَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ الرَّهْنَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفَسَخَ الرَّهْنَ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَفْسَخْهُ بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُ جَوَابَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ إِلَى الْآخَرِ فَيَخْرُجُ ذَلِكَ على قولين:

أحدهما: أنه يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ جَمِيعًا، لِأَنَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَالْعُقُودُ الْجَائِزَةُ تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَاتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ. لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَهُوَ يُفْضِي إِلَى اللُّزُومِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى اللُّزُومِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، لَا يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ.

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلِ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَنْفَسِخَ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَلَا يَنْفَسِخَ بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُوَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ بِمَوْتِهِ وَكَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُؤَجَّلًا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا كَانَ مؤجلا قبل موته وكان الرَّاهِنُ الْمَعْقُودُ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ، وليس كذلك الراهن؛ لأن الدين عليه، فإنما مَاتَ حَلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ، فَاسْتَحَقَّ مُطَالَبَةَ الْوَرَثَةِ به. فلم يكن لبقاء الرهن معنى. كذلك الفسخ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ الرَّهْنَ قَدِ انْفَسَخَ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فَيَ بَيْعٍ فَلَا مَقَالَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>