للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِنَسَاءٍ فَصِحَّةُ الْبَيْعِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى خَمْسَةِ شُرُوطٍ:

فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ في الثمن فضل، وهو مثل أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ نَقْدًا بِمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا نَسِيئَةً بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، فَيَكُونُ حَظُّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي النَّسِيئَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الرِّبْحِ، وَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ نَسِيئَةً بِالثَّمَنِ الَّذِي يُسَاوِي نَقْدًا وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا حَظَّ فِي تَأْجِيلِ حَقٍّ يُقْدَرُ عَلَى تَعْجِيلِهِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثِقَةً مُوسِرًا فَيَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَصْفَانِ: الثِّقَةُ وَالْيَسَارُ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْمَالُ تَائِهٌ وَإِنْ كان خائنا فالجحود مَخُوفٌ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقْتَصِدًا غَيْرَ بَعِيدٍ وَلَا مُتَطَاوِلٍ؛ لِأَنَّ فِي بُعْدِ الْأَجَلِ وَتَطَاوُلِ الْمُدَّةِ تَغْرِيرًا بِالدَّيْنِ، وَإِضَاعَةً لِلْحَقِّ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْدِيدِ الْأَجَلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ: فَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِالسَّنَةِ وَقَالَ: إِنْ كَانَ الْأَجَلُ زَائِدًا عَلَى السَّنَةِ لَمْ يَجُزْ. وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَحْدِيدِهِ بِالسَّنَةِ وَاعْتَبَرُوا فِيهِ عُرْفَ النَّاسِ وَشَاهِدَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ. وَتَبَايُنِ العادات فيها، فيجوز مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ تَعَارُفِ النَّاسِ فِي آجَالِ تِلْكَ السِّلْعَةِ، وَمَنَعُوا مِنْهُ مَا خَرَجَ عن تعارف الناس من آجال تلك السلعة.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا لِيَكُونَ وَثِيقَةً فِي الْحَقِّ، فَلَا يُخْرِجُ مِنْ يَدِهِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ مَالًا إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ لَهُ عَلَيْهِ مَالًا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَأْخُذُ بِهِ رَهْنًا مِنَ الثَّمَنِ:

فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: يَأْخُذُ الرَّهْنَ بِالْفَاضِلِ عَلَى ثَمَنِ النَّقْدِ. وَيَتَعَجَّلُ قَبْضَ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقْدًا كَأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تساوي نقدا مائة نقدا وَنَسَاءً مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَعَجَّلَ قَبْضَ الْمِائَةِ وَأَجَّلَ قَبْضَ الْخَمْسِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّلَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ رَهْنًا بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِمَالِهِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا: يَأْخُذُ مِنْهُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَكُونُ جَمِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ مُنِعَ مِنْ هَذَا حَتَّى يَقْبِضَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ نَقْدًا وَيُؤَجِّلَ الْبَاقِيَ وَيَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا لَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَذَّرًا بَلْ لَا أَحْسَبُهُ فِي الْغَالِبِ مُمْكِنًا، وَلَا أَظُنُّ عَاقِلًا يَفْعَلُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ رَهْنًا فَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ يُقَيَّمُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْجِزُ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَكُونَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَصِيرَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>