للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّاهِنِ لِأَجْلِ مِلْكِهِ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوِ اسْتَعَارَهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ بِمَا حَدَثَ مِنَ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ السَّابِقِ، وَعَقْدِ الْإِجَارَةِ الْحَادِثَةِ.

وَالْجَوَابُ الرَّابِعُ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنَ الشَّافِعِيِّ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّ الرَّاهِنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: وَلَوْ أَكْرَى الرَّهْنَ مَنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَعَارَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ يُرِيدُ أَنَّ الرَّاهِنَ وَإِنِ انْتَفَعَ بِالرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ فَأَمَّا مَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَيُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ ابْنُ أبي هريرة.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَهَنَهُ وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِهِ وَأَذِنَ له بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه أن يقبضه فيها فَهُوَ قَبْضٌ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَدِيعَةً غَيْرُ قَبْضِهِ رهنا (قال) ولو كان في المسجد والوديعة في بيته لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله وهي فيه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً، ثُمَّ إِنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ رَهَنَهَا عِنْدَ الْمُودَعِ بِحَقٍّ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِالْوَدِيعَةِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ رَهْنَ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِهَا وَقَدْ شَاهَدَاهَا جَازَ رَهْنُهَا. لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ كَانَ ارْتِهَانُ مَا بِيَدِهِ أَوْلَى وَإِذَا كَانَ ارْتِهَانُهَا جَائِزًا، فَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ وَقَبْضٍ.

فَأَمَّا الْعَقْدُ فَبَذْلٌ مِنَ الرَّاهِنِ وَقَبُولٌ مِنَ الْمُرْتَهِنِ كَسَائِرِ عُقُودِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الْقَبْضُ فَيَخْتَلِفُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الْوَدِيعَةِ، لِأَنَّ لَهَا حَالَتَيْنِ:

إحداهما: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمُودِعُ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَهَا فِي يَدِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشُكَّ فِي كَوْنِهَا بِيَدِهِ.

فَإِنْ تَيَقَّنَ كَوْنَهَا بِيَدِهِ فَقَبْضُهَا: أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ الرَّهْنِ زَمَانُ الْقَبْضِ. وَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الرَّاهِنِ فِي الْقَبْضِ أَمْ لَا؟

قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي كِتَابِ الْأُمِّ: مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: إِذَا وَهَبَ لَهُ وديعة في يده وقبلها الموهوبة لَهُ فَاتَتْ عَلَيْهِ مُدَّةُ الْقَبْضِ فَقَدْ تَمَّ قَبْضُهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُنَاكَ الْإِذْنَ فِي الْقَبْضِ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُ جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَيُخْرِجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمَا لَا يَلْزَمَانِ إِلَّا بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ، لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ مَالِكِهَا وَفِي ارْتِهَانِهَا أَوْ هِبَتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>