للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لِلْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا، فَوَجَبَ أَلَّا يُمْنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا. أَصْلُهُ: مَا ذَكَرْنَا.

وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِذَا طَرَأَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ قُدِّمَ بِهِ فَدَلَّ عَلَى قُوَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَقْوَى وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مَعَ ضَعْفِهِ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ الرَّهْنَ شُبْهَةٌ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْحَدِّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ شُبْهَةَ عَقْدٍ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ أَوْ شُبْهَةَ مِلْكٍ كَالْأَمَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ كَمَنْ وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ يَكُونُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ. وَلَيْسَ الرَّهْنُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ: فَالْمُكَاتَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا عَتَقَتْ وَلَوْ عَجَزَتْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَتْ. فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْهُونَةُ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاءُ النَّسَبِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِلرَّاهِنِ غَيْرَ لَاحِقٍ بِالْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ الزِّنَا يَمْنَعُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ".

وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّالِثُ فَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ عَلَى الْوَطْءِ.

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: لَا مَهْرَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِبَذْلِهَا وَإِبَاحَتِهَا كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لَمْ يَسْقُطِ الْأَرْشُ عَنِ الْجَانِي عَلَيْهَا.

وَهَذَا غَلَطٌ " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ " وَهَذِهِ بِمُطَاوَعَتِهَا بَغِيٌّ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ مَهْرُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>