للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا كَوْنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ رَهْنٍ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالرَّاهِنُ غَيْرُ مُخْتَارٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ رَهْنُهُ.

فَإِنْ قيل: أو ليس لَوْ جَنَى عَلَى الرَّهْنِ فَتَلِفَ كَانَتْ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ أَوْ قِصَاصًا مِنَ الْحَقِّ فَهَلَّا كَانَ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ؟

قِيلَ: لِأَنَّ الْجِنَايَةَ غَيْرُ مُبْطِلَةٍ لِلرَّهْنِ، وَإِنَّمَا نُقِلَتِ الْوَثِيقَةُ مِنَ الرَّهْنِ إِلَى بَدَلِهِ. فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ أَصْلِهِ وليس كذلك البيع.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.

إذا أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَقِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ. فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا كَمَنْ بَاعَ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِذْنَ الْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِهِ لَيْسَ بِفَسْخٍ، وَإِنَّمَا بَيْعُ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَسْخٌ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِذْنُ فَسْخًا لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ بِهِ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي إِذْنِهِ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِفَسْخِ عَقْدٍ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي فَسْخِهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاعَهُ الرَّاهِنُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ قَبْلَ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِحُصُولِهِ عَنْ إِذْنٍ صَحِيحٍ وَرُجُوعُ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ وَبَعْدَ عِلْمِ الرَّاهِنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ رَافِعٌ لِلْإِذْنِ فَصَارَ مَبِيعًا بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ وَقَبْلَ عِلْمِ الرَّاهِنِ بِرُجُوعِهِ، فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ.

(فَصْلٌ)

فَلَوِ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَجَعْتُ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ بَيْعِكَ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ رَجَعْتَ بعد البيع فالرهن باطل والبيع نافذ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرُّجُوعَ مِنْ فِعْلِهِ، فَقُبِلَ فِيهِ قَوْلُهُ:

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ وَالرَّهْنِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>