للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ " قَالُوا: وَبِالنَّفْخِ يَزُولُ مَا عَلَقَ بِالْيَدِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غُبَارٍ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ قَدْ بَاشَرَ بِيَدِهِ مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا عَلِقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَسْلِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ إِيصَالُ الطَّهُورِ إِلَى الْعُضْوِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ مِنْهُ) {المائدة: ٥) فَأَوْجَبَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّعِيدِ مَمْسُوحًا بِهِ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَقْ بِالْيَدِ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مَمْسُوحًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا " وَمَا لَا يُلَاقِي مَحَلَّ الطَّهَارَةِ لَا يَكُونُ طَهُورًا، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَوَجَبَ أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى اسْتِعْمَالِ مَا يَكُونُ طَهُورًا فِيهَا كَالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ أُبْدِلَ مِنْ غَسْلٍ فَوَجَبَ إِيصَالُ الْمَمْسُوحِ بِهِ إِلَى مَحَلِّهِ، قِيَاسًا عَلَى مَسْحِ الْجَبَائِرِ وَالْخُفَّيْنِ فِي الطَّهَارَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى مَمْسُوحٍ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسَحَ بِالْجِدَارِ، فَهُوَ أَنَّ الْجِدَارَ لَا يَنْفَكُّ مِنَ الْغُبَارِ، وَأَنَّ الْمَاسِحَ بِيَدِهِ لَا يَخْلُو مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ فِيهَا، وَذَلِكَ مُدْرَكٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفَخَ فِي يَدِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَفَخَ مَا يَعْلَقُ بِهَا مِنْ كَثِيرِ التُّرَابِ؛ لِأَنَّ النَّفْخَ لَا يُذْهِبُ جَمِيعَ مَا عَلِقَ بها من الغبار.

والثاني: أنه إنما ينفخ فِكْرَةَ حُصُولِ الْغُبَارِ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالتَّيَمُّمِ التَّعْلِيمَ لِعَمَّارٍ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِنَفْسِهِ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي فَعَلَهُ كِفَايَةٌ فِي التَّعْلِيمِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِ إِذَا عَلِقَ بِيَدِهِ غُبَارٌ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ جُعِلَ مُسْتَعْمَلًا لِمَا يَتَطَهَّرُ بِهِ فِي أَعْضَائِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَيُقْلَبُ عَلَيْهِمْ، فيقال: فوجب أن يكون من شَرْطُهُ إِيصَالَ الطَّهُورِ إِلَى مَحَلِّ التَّطْهِيرِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَلَمْ يَلْزَمْ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَيْسَ كذلك أعضاء التيمم؛ لأنه لم يستدل بها غيرها فيجزي تطهيرها والله أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وينوي بالتيمم الفريضة، وَهَذَا صَحِيحٌ النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ وَافَقَ عَلَى وُجُوبِهَا مَالِكٌ وأبو حنيفة، وَإِنْ خَالَفَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالتَّيَمُّمُ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِيهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ فِعْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>