للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا الضَّعِيفُ فَهُوَ أَنْ قَالَ: لِأَنَّهُ وَالْعُلَمَاءَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّهُ قبل إقراره وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ بِعُدْوَانِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ فِي إِقْرَارِهِ إِضْرَارًا بِنَفْسِهِ فقيل إضرارا بِغَيْرِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ.

فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ: لَيْسَ يُمْتَنَعُ قَبُولُ إِقْرَارِ مَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ فيه إقرارا بِغَيْرِهِ إِذَا لَمْ تَلْحَقْهُ تُهْمَةٌ فِي إِقْرَارِهِ. . أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ قُبِلَ إِقْرَارُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِسَيِّدِهِ، لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَا تَلْحَقُهُ فِي إِقْرَارِهِ.

كَذَلِكَ الرَّاهِنُ وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ قُبِلَ إِقْرَارُهُ لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَا تَلْحَقُهُ فِي إِقْرَارِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ لِعُدْوَانِهِ. فَيُقَالُ لَهُ لَيْسَ مِنَ الرَّاهِنِ إِتْلَافٌ لِمَا فِيهِ حَقٌّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَهُوَ بَاقٍ لَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاهِنُ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدٌ مَعَ بَقَاءِ الرَّقَبَةِ وَوُجُودِ الْعَيْنِ.

وَأَمَّا مَا اسْتُدِلَّ بِهِ مِمَّا هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهُوَ أَنْ قَالَ:

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَمْ يَضُرَّ الْمُرْتَهِنَ. فَيُقَالُ لَهُ: وَهَذَا أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْجِنَايَةِ. فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَ مِنَ الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ رَهْنٌ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كَانَ صَحِيحًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا فَجَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَوَدَ أَوِ الْمَالَ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ لَا يَبْطُلُ بِجِنَايَتِهِ الْحَادِثَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَمْ يَزُلْ بِالْجِنَايَةِ الْحَادِثَةِ فَوَجَبَ أَلَّا يَبْطُلَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالْجِنَايَةِ الْحَادِثَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا بَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالْجِنَايَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ كَمَا بَطَلَ بِالْجِنَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الرَّهْنِ؟ قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْعَقْدِ أَقْوَى مِنَ ابْتِدَائِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ تَقَدُّمُ الْجِنَايَةِ مَانِعًا مِنَ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ لِضَعْفِهِ وَلَمْ يَكُنْ حُدُوثُ الْجِنَايَةِ مَانِعًا مِنَ اسْتِدَامَةِ الرَّهْنِ لِقُوَّتِهِ كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مِنَ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَا تَمْنَعُ مِنَ اسْتِدَامَتِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِحُدُوثِ الْجِنَايَةِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ، وَحَقٌّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحُدُوثِ الْجِنَايَةِ فَقَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِثَلَاثَةِ معان:

<<  <  ج: ص:  >  >>