للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ التَّخْلِيلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ بِهِ التَّطْهِيرُ وَالتَّخْلِيلُ كَالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رَوَى أنس بن مالك (رضي الله عنه) أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَهْرِقْهَا. قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَعَمَدْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ عِنْدَنَا فَكَسَرْتُهَا فَأَرَقْتُهَا. وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ تَخْلِيلِهَا، وَلَوْ كَانَ تَخْلِيلُهَا سَبَبًا لِطَهَارَتِهَا وَإِبَاحَتِهَا لَأَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ الدِّبَاغَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِطَهَارَةِ الْجِلْدِ أَمَرَ بِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ حَيْثُ رَآهَا مَيْتَةً وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا مَالُ يَتِيمٍ وَأَمْوَالُ الْيَتَامَى تَجِبُ حِرَاسَتُهَا. فَلَوْ كَانَ التَّخْلِيلُ سَبَبًا لِطَهَارَتِهَا وَإِبَاحَتِهَا لَأَمَرَ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِرَاقَتِهَا.

وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفَسَادَهُ.

وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْتَفِعُوا بِخَمْرٍ أَفْسَدْتُمُوهَا حَتَّى يَقْلِبَ اللَّهُ عَيْنَهَا.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَشْتَرُوا الْخَلَّ مِنَ الْخَمَّارِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَلَّلَهَا.

فَهَذَا قَوْلُ صَحَابِيَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ مَائِعٌ نَجِسٌ لَا يُطَهَّرُ بِالْمُكَاثَرَةِ فَوَجَبَ أَلَّا يُطَهَّرَ بِالْعِلَاجِ وَالصَّنْعَةِ ... أَصْلُهُ: مَا سِوَى الْخَمْرِ مِنَ الْمَائِعَاتِ النَّجِسَةِ.

وَلِأَنَّ مَا اسْتُبِيحَ مِنَ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ فِعْلٍ لَمْ يُسْتَبَحْ بِالْمَحْظُورِ مِنَ الْفِعْلِ، كَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ لَمَّا كَانَ يُسْتَبَاحُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْوَارِثِ لَمْ يُسْتَبَحْ بِقَتْلِ الْوَارِثِ كَذَلِكَ الْخَمْرُ لَمَّا اسْتُبِيحَتْ بِاسْتِحَالَتِهَا خَلًّا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مَحْظُورٍ لَمْ تُسْتَبَحْ بِانْقِلَابِهَا خَلًّا بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ.

وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَتَنْجِيسَهَا لِحُدُوثِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِيَةِ فِيهَا وَالشِّدَّةُ قَدْ تَزُولُ تَارَةً بِإِلْقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>