للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ طَالَبَ الرَّاهِنَ فَأَغْرَمَهُ لَمْ يَرْجِعِ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَظْلُومٌ بِهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ الْمُصَدِّقُ غَائِبًا عِنْدَ الدَّفْعِ، فَهَلْ يَبْرَأُ الْعَدْلُ مِنْ حَقِّ الرَّاهِنِ بِتَصْدِيقِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ دَفْعِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ، بَيْنَ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ أَوِ الْعَدْلِ، فَإِنْ أَغْرَمَ الْعَدْلَ لَمْ يَرْجِعِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَغْرَمَ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْجِعِ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَدْلَ لَا يَبْرَأُ مِنْ حَقِّ الرَّاهِنِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى الدَّفْعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الرَّاهِنِ، لِأَجْلِ تَفْرِيطِهِ فَعَلَى هَذَا الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ أَوِ الْعَدْلِ، فَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ فَأَغْرَمَهُ لَمْ يَرْجِعِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ طَالَبَ الرَّاهِنَ فَأَغْرَمَهُ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الرَّاهِنِ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدَّفْعِ، وَالْمُرْتَهِنُ مُقِرٌّ بِالْقَبْضِ، فَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ لِعَدَمِ إِذْنِهِ، وَوَجَدْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: إِنَّ الْعَدْلَ قَدْ بَرِئَ مِنْ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ لِحُصُولِ الْإِبْرَاءِ لِلرَّاهِنِ بِإِقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ بِالْقَبْضِ.

وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ عَلَى الْعَدْلِ غَرَامَةُ الثَّمَنِ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ بَرِئَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّ الْعَدْلَ مُتَعَدٍّ بِالدَّفْعِ مُتَطَوِّعٌ بِالْأَدَاءِ، فَلَزِمَهُ الْغُرْمُ بِتَعَدِّيهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِتَطَوُّعِهِ كَمَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ.

وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالدَّفْعِ، وَالْمُرْتَهِنُ مُنْكِرٌ لِلْقَبْضِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ، لِأَنَّ قَوْلَ الْعَدْلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِعَدَمِ إِذْنِهِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِإِنْكَارِ قَبْضِهِ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ غَرَامَةِ الثَّمَنِ لِأَحَدِهِمَا إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، كَالثَّمَنِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ إِلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، لِئَلَّا يَلْزَمَهُ غَرَامَةُ ثَمَنَيْنِ، فَيَغْرَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا، فَإِنْ غَرِمَ الثَّمَنَ لِلرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِغَرَامَةِ الثَّمَنِ ثانية، وإن غَرِمَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ كان الراهن أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَرَامَةِ الثَّمَنِ ثَانِيَةً وَلِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَدْلِ وَالرَّاهِنِ مَعًا، فَإِنْ طَالَبَ الرَّاهِنَ فَأَغْرَمَهُ، كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ طَالَبَ الْعَدْلَ فَأَغْرَمَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ.

ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ غَرِمَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ بَرِئَ مِنْ مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ وَإِنْ غَرِمَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فَهَذَا حُكْمُ دَعْوَى الْعَدْلِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>